فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن (١) الموت أو يجعل الله لهن سبيلا. أما غير المحصنات وهن الأبكار فقد قال تعالى في شأنهن ، واللذان يأتيانها منكم فآذوها أى بالضرب الخفيف والتقريع والعتاب ، مع الحبس للنساء أما الرجال فلا يحبسون وانما يكتفى بأذاهم الى ان يتوبوا ويصلحوا فحينئذ يعفى عنهم ويكف عن أذيتهم هذا معنى قوله تعالى (وَالَّذانِ (٢) يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً).
ولم يمض على هذين الحدين الا القليل من الزمن حتى أنجز الرحمن ما وعد وجعل لهن سبيلا فقد صح أنه صلىاللهعليهوسلم كان جالسا بين أصحابه حتى أنزل الله تعالى عليه الحكم النهائى فى جريمة الزنى فقال صلىاللهعليهوسلم : خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والمراد من الثيب بالثيب اى إذا زنى ثيب بثيب وكذا البكر بالبكر. وبهذا اوقف الحد الأول في النساء والرجال معا ومضى الثانى أما جلد البكرين فقد نزل فيه آية النور : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ، وأما رجم المحصنين فقد مضت فيه السنة فقد رجم ما عز ، والغامدية بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو حد قائم الى يوم القيامة. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (١٥) والثانية (١٦) وأما الآيتان بعدهما وهما (١٧) (١٨) فقد أخبر تعالى أن الذين يستحقون التوبة وثبتت لهم من الله تعالى هم المذنبون الذين يرتكبون المعصية بسبب جهالة منهم ، ثم يتوبون من قريب لا يسوفون التوبة ولا يؤخرونها أما الذين يجترحون السيآت مع علم منهم وإصرار ، ولا يتوبون إثر غشيان الذنب فلا توبة تضمن لهم فقد يموتون بلا توبة شأنهم شأن الذين يعملون السيئآت ولا يتوبون حتى إذا مرض احدهم وظهرت عليه علامات الموت وأيقن انه ميت لا محالة قال انه تائب كشأن الكافرين اذا تابوا عند (٣) معاينة الموت فلا تقبل
__________________
(١) يتوفاهن : يتقاضاهن ، يقال توفى فلان حقه من فلان بمعنى استوفاه أي أخذه كاملا لم يبق منه شيئا ولمّا كان العمر أيّاما تمر يوما بعد يوم حتى ينقضي العمر ويموت الإنسان قيل في الموت الوفاة ويقال توفى فلان لأنّ أيامه أخذت يوما فيوما حتى انقضت على طريقة تسديد الدّين جزءا فجزءا حتى كمل قال الشاعر :
إذ ما تقاضى المرء يوم وليلة |
|
تقاضاه شيى لا يملّ التقاضيا |
(٢) المراد من هذا أنّ الإمساك للمرأة الزانية دون الرجل لأن الرجل يعمل فلا يحبس فلذا غلب جانب النساء في قوله (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ..) وغلّب الرجل على المرأة في قوله : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) لأن الأذى صالح للمرأة والرجل معا وهو عبارة عن السبّ والجفاء والتوبيخ باللّسان لا غير.
(٣) وعليه فقوله تعالى : (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) ليس على ظاهره ، وإنّما معناه يشرفون على الموت ومن أشرف على الموت ، وحضره فحكمه حكم من مات وهو سائغ في اللّغة.