قبيحا ، ومن هنا كان دفاع المشركين عن آلهتهم الباطلة من هذا الباب فلذا لم يرضوا أن تسب لهم وهددوا الرسول والمؤمنين بأنهم لو سبوا آلهتهم لسبوا لهم إلههم وهو الله تعالى ، وقوله تعالى (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) يخبر تعالى أن مرجع الناس المزين لهم أعمالهم خيرها وشرها ورجوعهم بعد نهاية حياتهم إلى الله ربهم فيخبرهم بأعمالهم ويطلعهم عليها ويجزيهم بها الخير بالخير والشر بالشر. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٠٨) وأما الآيتان الثانية (١٠٩) والثالثة (١١٠) فقد أخبر تعالى أن المشركين أقسموا (١) بالله أبلغ أيمانهم وأقصاها أنهم إذا جاءتهم آية كتحويل جبل الصفا إلى ذهب آمنوا عن آخرهم بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ورسالته واتبعوه على دينه الذي جاء به ، قال هذا رؤساء المشركين ، والله يعلم أنهم إذا جاءتهم الآية لا يؤمنون ، فأمر رسوله أن يرد عليهم قائلا : (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) هو الذي يأتي بها إن شاء أما أنا فلا أملك ذلك. إلا أن المؤمنين من أصحاب الرسول صلىاللهعليهوسلم رغبوا في مجيء الآية حتى يؤمن المشركون وينتهي الصراع الدائر بين الفريقين فقال تعالى لهم : (وَما يُشْعِرُكُمْ) (٢) أيها المؤمنون (أَنَّها إِذا (٣) جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) أي وما يدريكم أن الآية لو جاءت لا يؤمن بها المشركون؟ وبين علة عدم إيمانهم فقال : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ) فلا تعي ولا تفهم (وَأَبْصارَهُمْ) فلا ترى ولا تبصر. فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا بالقرآن أول مرة لما دعوا إلى الإيمان به (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي ونتركهم في شركهم وظلمهم حيارى يترددون لا يعرفون الحق من الباطل ولا الهداية من الضلال.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ حرمة قول أو فعل ما يتسبب (٤) عنه سب الله ورسوله.
٢ ـ بيان سنة الله في تزيين الأعمال لأصحابها خيرا كانت أو شرا.
٣ ـ بيان أن الهداية بيد الله تعالى وأن المعجزات قد لا يؤمن عليها من شاهدها.
__________________
(١) في هذا دليل الموادعة والأخذ بمبدأ سد الذرائع.
(٢) كان المشركون يحلفون بآلهتهم ، وإذا حلفوا بالله كان ذلك أقصى أيمانهم وأشدها. وهنا مسألة لو قال المرء الأيمان تلزمه ثم حنث فإن عليه إطعام ثلاثين مسكينا لأن أقل الجمع ثلاثة ، وإن لم يكن له مال صام تسعة أيام.
(٣) الإشعار مصدر أشعره إذا أعلمه بأمر من شأنه أن يخفى ويدق.
(٤) قرئت إنها بكسر الهمزة على الاستئناف فيكون الكلام قد انتهى عند قوله وما يشعركم ويكون المعنى وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت ثم قال إنها إذا جاءت لا يؤمنون. فذكر علة عدم إيمانهم بقوله ونقلب أفئدتهم وأبصارهم.