شرح الكلمات :
(إِلَّا وُسْعَها) : طاقتها وما تتحمله وتقدر عليه من العمل.
(وَنَزَعْنا) : أي أقلعنا وأخرجنا.
(مِنْ غِلٍ) : أي من حقد وعداوة.
(هَدانا لِهذا) : أي للعمل الصالح في الدنيا الذي هذا جزاؤه وهو الجنة.
(بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : أي بسبب أعمالكم الصالحة من صلاة وصيام وصدقات وجهاد.
معنى الآيتين :
لما ذكر تعالى جزاء أهل التكذيب والاستكبار عن الإيمان والعمل الصالح وكان شقاء وحرمانا ذكر جزاء أهل الإيمان والعمل الصالح فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، ولما كان العمل منه الشاق الذي لا يطاق ومنه السهل الذي يقدر عليه قال : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي ما تقدر عليه من العمل ويكون في استطاعتها ، ثم أخبر عن المؤمنين العاملين للصالحات فقال (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). كما أخبر في الآية الثانية أنه طهرهم باطنا فنزع ما في صدورهم من غل (١) على بعضهم بعضا ، وأن الأنهار تجري من تحت قصورهم ، وأنهم قالوا شاكرين نعم الله عليهم : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) أي لعمل صالح هذا جزاؤه أي الجنة وما فيها من نعيم مقيم ، وقرروا حقيقة وهي أن هدايتهم التي كان جزاؤها الجنة لم يكونوا ليحصلوا عليها لو لا أن الله تعالى هو الذي هداهم فقالوا : (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) (٢) ، ثم قالوا والله (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) فهاهم أهل الكفر والمعاصي في النار ، وها نحن أهل الإيمان والطاعات في نعيم الجنة فصدقت الرسل فيما أخبرت به من وعد ووعيد ، وناداهم ربهم سبحانه وتعالى : (أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها (٣) بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فيزداد بذلك نعيمهم وتعظم سعادتهم.
__________________
(١) الغلّ : الحقد الكامن في الصدر أي : أذهبنا ـ في الجنة ـ ما كان في قلوبهم من الغلّ في الدنيا ولذا فلا يكون بينهم من تحاسد في الجنة على تفاوت درجاتهم في العلو والارتفاع. وقال علي رضي الله عنه : فينا والله أهل بدر نزلت : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ).
(٢) روى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول لو لا أن الله هداني فيكون له شكرا ، وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن الله هداني فيكون له حسرة.
(٣) روى مسلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) وعليه فالباء في قوله : (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سببية وليست باء العوض إذ أعمال العبد لا تعادل موضع سوط في الجنة فالعمل مورث بفضل الله تعالى ورحمته.