(أَهؤُلاءِ) : إشارة إلى ضعفاء المسلمين وهم في الجنة.
(أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) : أي من الطعام والشراب.
(حَرَّمَهُما) : منعهما.
معنى الآيات :
ما زال السياق في الحديث عن أصحاب الجنة وأصحاب النار قال تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً) أي من أهل النار يعرفونهم بسيماهم التي هي سيما أصحاب النار من سواد الوجوه وزرقة العيون نادوهم قائلين : (ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ) أي للأموال والرجال للحروب والقتال ، كما لم يغن عنكم استكباركم على الحق وترفعكم عن قبوله وها أنتم في أشد ألوان العذاب ، ثم يشيرون لهم إلى ضعفة المسلمين الذين يسخرون منهم في الدنيا ويضربونهم ويهينونهم (١) (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ) أي حلفتم (لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) (٢) ثم يقال لأصحاب الأعراف (ادْخُلُوا (٣) الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ).
وفي الآية الثالثة يقول تعالى مخبرا عن أصحاب النار وأصحاب الجنة (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ) (٤) (الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ) (٥) وذلك لشدة عطشهم (أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي من الطعام وذلك لشدة جوعهم فيقال لهم : (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما) أي شراب الجنة وطعامها (عَلَى الْكافِرِينَ) فلا ينالوهما بحال من الأحوال.
ثم وصف الكافرين ليعرض جرائمهم التي اقتضت حرمانهم وعذابهم ليكون ذلك عظة وعبرة للكفار من قريش ومن سائر الناس فقال وهو ما تضمنته الآية الرابعة (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) أي نتركهم في عذابهم كما تركوا يومهم هذا فلم يعملوا له من الإيمان والصالحات ، وبسبب جحودهم لآياتنا الداعية إلى الإيمان وصالح الأعمال.
__________________
(١) كبلال وعمار وصهيب وخباب وغيرهم من سائر ضعفة المؤمنين في كل أمّة من الأمم التي وجد فيها مؤمنون مستضعفون.
(٢) جعل إيواء الله تعالى إياهم بدار رحمته التي هي الجنة بمنزلة النيل الذي هو حصول الأمر المحبوب المطلوب.
(٣) اختلف في القائل. والراجح أنه الله تعالى ، وذلك بعد استقرار أهل الجنة فيها وأهل النار في النار ولم يبق إلّا أصحاب الأعراف فيقول لهم الرب تبارك وتعالى : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ).
(٤) روي عن ابن عباس أنه قال : لمّا صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار في الفرج بعد اليأس فقالوا : يا رب إنّ لنا قرابات من أهل الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم ، فنظروا إليهم وإلى ما هم فيه من النعيم فعرفوهم .. فينادي الرجل أخاه أو قريبه قد احترقت فأغثني فيقول له إن الله حرّمهما على الكافرين.
(٥) في الآية دليل على أفضلية صدقة الماء ، وفي الحديث : (أي الصدقة أعجب إليك؟ قال : الماء) وليس أدل من حديث الذي سقى كلبا عطشان فشكر الله له فغفر له.