نازلة يطمع فيهم ، ويخرجون المال إذا قمروا من غير اكتراث فتتوق نفس الغريب أن يلعب معهم ، فكلّما جلس لا يتركونه يقوم ومعه شيء حتى سراويله ، وربّما استرهنوا نفسه ومنعوه من الذهاب ، حتى يأتي أصحابه ويؤدوا عنه ويخلّصوه.
القيروان
مدينة عظيمة بافريقية ، مصّرت في أيّام معاوية ، وذلك انّه لمّا ولّي عقبة بن نافع القرشي افريقية ذهب إليها وفتحها وأسلم على يده كثير من البربر ، فجمع عقبة أصحابه وقال : ان أهل افريقية قوم إذا غصبهم السيف أسلموا ، وإذا رجع المسلمون عنهم عادوا إلى دينهم ، ولست أرى نزول المسلمين بين أظهرهم رأيا ، لكن رأيت أن أبني ههنا مدينة يسكنها المسلمون.
فجاؤوا إلى موضع القيروان ، وهي أجمة عظيمة وغيضة لا تشقّها الحيّات من تشابك شجرها ، فقالوا : هذه غيضة كثيرة السباع والهوام ، وكان عقبة مستجاب الدعوة فجمع من كان في عسكره من الصحابة ، وكانوا ثمانية عشر نفسا ، ونادى : أيّتها السباع والحشرات ، نحن أصحاب رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، ارحلوا عنّا فإنّا نازلون فمن وجدناه بعد قتلناه! فرأى الناس ذلك اليوم عجبا لم يروه قبل ذلك ، وكان السبع يحمل أشباله ، والذئب اجراءه ، والحيّة أولادها وهي خارجة سربا سربا ، فحمل ذلك كثيرا من البربر على الإسلام. ثمّ بنى المدينة فاستقامت في سنة خمس وخمسين. ذكر الجيهاني ان بالقيروان أسطوانتين لا يدرى جوهرهما ما هو ، وهما تترشّحان ماء كلّ يوم جمعة قبل طلوع الشمس ، وموضع العجب كونه يوم الجمعة. وقد قيل :ان ملوك الروم طلبوهما بثمن بالغ ، فقال أهل القيروان : لا نخرج أعجوبة من العجائب من بيت الله إلى بيت الشيطان!