فرغ من شقّ النهر ووصول الماء إليها ، كان لثمان بقين من ربيع الأوّل سنة أربع وخمسين وثلاثمائة ، جعل هذا اليوم عيدا في كلّ سنة ، يجتمع فيه الناس من النواحي للهو ويقيمون سبعة أيّام. ونقل إليها الصّنّاع الخزّ والديباج والصوف وأمرهم بكتابة اسمه على طرزها ، واتخذ قوّاده بها دورا وقصورا فكثرت عماراتها.
وبقاضيها يضرب المثل في الخيانة ، وذلك ما حكي أن بعض الناس أودعه مالا كثيرا ، فلمّا استردّه جحد ، فاجتمع المودع بعضد الدولة وقال : أيّها الملك اني ابن فلان التاجر ، ورثت من أبي خمسين ألف دينار أودعت عشرين ألف دينار في قمقمتين عند هذا القاضي للاستظهار ، وكنت أتصرّف بالباقي ، فوقعت في بعض أسفاري في أسر كفّار الروم ، وبقيت في الأسر أربع سنين حتى مرض ملك الروم وخلّى الأسارى ، فتخلّصت وأنا رخيّ البال استظهارا بالوديعة ، فلمّا طلبتها جحد وأظهر أنّه لم يعرفني ، وكرّرت الطلب فقال لي : انّك رجل استولت السوداء على دماغك وأطعموك شيئا ، وإني ما رأيتك إلّا الآن! دع عنك هذا الجنون وإلّا حملتك إلى المارستان وأدخلتك في السلسلة! فبكى عضد الدولة وقال : أنا ظلمتك لمّا ولّيت مثل هذا! أعطاه مائتي دينار وبعثه إلى أصبهان ، وكتب إلى عامل أصبهان إن يحسن إليه وقال له : لا ترجع تذكر هذا الأمر لأحد وأقم في أصبهان حتى يأتيك أمري. وصبر عضد الدولة على ذلك شهرا ثمّ طلب القاضي يوما عند الظهيرة بالخلوة وأكرمه وقال له : أيّها القاضي ان لي سرّا ما وجدت في جميع مملكتي له محلّا غيرك ، لما فيك من كمال العلم ووفور العقل والدين ، وهو ان لي أولادا ذكورا واناثا. أمّا الذكور فلست أهتمّ بأمرهم ، وأمّا الاناث فعندهن التقاعد عن الأمور وأنا أخشى عليهن ، فأردت أن تتّخذ في دارك موضعا صالحا لوديعة لا يعلم بها أحد غير الله ، تدفعها إلى بناتي بعد موتي. ودفع إلى القاضي مائتي دينار وقال : اصرفها إلى عمارة ازج قعير يتسع لمائتين وأربعين قمقمة ، وإذا تمّ أخبرني حتى أبعث القماقم على يد