عمرو بن العاص البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم ، وقد تهيّأ أهل مصر للجلاء لأن مصالحهم لا تقوم إلّا بالنيل ، فأصبحوا وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة.
وأمّا أصل مجراه فإنّه يأتي من بلاد الزنج ، فيمرّ بأرض الحبشة حتى ينتهي إلى بلاد النوبة ، ثمّ لا يزال جاريا بين جبلين بينهما قرى وبلدان ، والراكب فيه يرى الجبلين عن يمينه وشماله حتى يصبّ في البحر. وقيل : سبب زيادته في الصيف أن المطر يكثر بأرض الزنجبار ، وتلك البلاد ينزل الغيث بها كأفواه القرب ويصبّ السيول إلى النيل من الجهات ، فإلى أن يصل إلى مصر ويقطع تلك المفاوز يكون القيظ ووقت الحاجة إليه.
من عجائب النيل التمساح لا يوجد إلّا فيه ، وقيل بنهر السند أيضا يوجد ، إلّا أنّه ليس في عظم النيلي ، وهو يعضّ الحيوان ، وإذا عضّ اشتبكت أسنانه واختلفت فلم يتخلّص منها الذي يقع فيها حتى يقطعه. ويحترز الإنسان من شاطىء النيل لخوف التمساح ؛ قال الشاعر :
أضمرت للنّيل هجرانا ومقلية |
|
مذ قيل لي : إنّما التّمساح في النّيل |
فمن رأى النّيل رأي العين عن كثب |
|
فما أرى النّيل إلّا في البواقيل |
والبواقيل : كيزان يشرب منها أهل مصر.
وبها شجرة تسمّى باليونانيّة موقيقوس ، تراها بالليل ذات شعاع متوهّج يغترّ برؤيتها كثير من الناس ، يحسبها نار الرعاة ، فإذا قصدها كلّما زاد قربا زادت خفاء حتى إذا وصل إليها انقطع ضوؤها.
وبها حشيشة يقال لها الدلس ، يتّخذ منها حبال السفن وتسمّى تلك الحبال القوقس. تؤخذ قطعة من هذا الحبل وتشعل فتبقى مشتعلة بين أيديهم كالشمع ، ثمّ تطفأ وتمكث طول الليل ، فإذا احتاجوا إلى الضوء أخذوا بطرفه وأداروه ساعة كالمخراق فيشتعل من نفسه.