لم يعرف أحد من تلك العساكر صاحبه ، فجعل بعضهم يقتل بعضا ، وضلّوا عن الطريق وهلك منهم خلق كثير ، ونجا بعضهم بعدما عاينوا الهلاك.
وذكروا أن صاحب شروان ، وكان ملكا جبّارا صاحب شوكة وقوّة ، قصدهم ذات يوم طمعا فيهم فأصابه مثل ما أصاب أصحاب دربند ، فامتنع الملوك عن غزوهم.
سدّ يأجوج ومأجوج
قيل : يأجوج ومأجوج ابنا يافث بن نوح ، عليه السلام. وهما ولدا خلقا كثيرا فصاروا قبيلتين لا يعلم عددهم إلّا الله. روى الشعبي أن ذا القرنين سار إلى ناحية يأجوج ومأجوج فاجتمع إليه خلق كثير وقالوا : أيّها الملك المظفر ، إن خلف هذا الجبل خلقا لا يعلم عددهم إلّا الله ، يخربون علينا بلادنا ويأكلون ثمارنا وزروعنا! قال : وما صفتهم؟ قالوا : قصار ضلع عراض الوجوه.
قال : وكم صنفا؟ قالوا : أمم كثيرة لا يحصيهم إلّا الله! ثمّ قالوا : هل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدّا؟ معناه تجمع من عندنا مالا تصرفه في حاجز بيننا وبينهم ليندفع عنّا أذاهم. فقال الملك : لا حاجة إلى مالكم فإن الله أعطاني من المكنة ما لا حاجة معها إلى مالكم ، لكن ساعدوني بالآلة والرجال ، وأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردما. فأمر بالحديد فأذيب واتّخذ منه لبنا عظاما ، وأذاب النحاس واتّخذه ملاطا لذلك اللبن ، وبنى به الفج الذي كانوا يدخلون منه ، فسوّاه مع قلّتي الجبل فصار شبيها بالمصمت. وروي أن ذا القرنين إنّما عمّر السدّ بعد رجوعه عنهم ، فتوسّط أرضهم ثمّ انصرف إلى ما بين الصدفين ، فقاس ما بينهما وهو مقطع أرض الترك فوجد ما بينهما مائة فرسخ ، فحفر له أساسا بلغ به الماء وجعل عرضه خمسين فرسخا ، وجعل حشوه الصخور وطيّنه بالنحاس المذاب ، فصبّ عليه وصار عرقا من جبل تحت الأرض ، ثمّ علاه وشرّفه بزبر الحديد والنحاس المذاب ، وجعل خلاله عرقا من نحاس