نصف رأس ونصف بدن وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة ، فأسرع مثل حضر الفرس العتيق وهو يقول :
فررت من جور الشّراة شدّا |
|
إذ لم أجد من الفرار بدّا |
قد كنت دهرا في شبابي جلدا |
|
فها أنا اليوم ضعيف جدّا |
زعم العرب أن سكّان أرض وبار جنّ ، ولا يدخلها إنسي أصلا ، فإن دخلها غالطا أو عامدا حثوا في وجهه التراب ، فإن أبى إلّا الدخول خبّلوه أو قتلوه ، أو ضلّ فيها ولا يعرف له خبر ، ولهذا قال الفرزدق :
ولقد ضللت أباك تطلب دارما |
|
كضلال ملتمس طريق وبار |
لا تهتدي به أبدا ولو بعثت به |
|
بسبيل واردة ولا آثار |
منها الإبل الحوشية ، تزعم العرب أنّها التي ضربها إبل الجنّ ، وهي إبل لم ير أحسن منها ؛ قال الشاعر :
كأني على حوشيّة أو نعامة |
|
لها نسب في الطّير أو هي طائر |
حكي أن رجلا من أهل اليمن يوما رأى في إبله فحلا كأنّه كوكب بياضا وحسنا ، فأقرّه فيها حتى ضرب إبله ، فلمّا لقحها لم يره حتى كان العام المقبل ، وقد نتجت النوق أولادا لم ير أحسن منها ، وهكذا في السنة الثانية والثالثة. فلمّا ألقحها وأراد الانصراف هدر فاتبعه سائر ولده ، فتبعها الرجل حتى وصل إلى أرض وبار ، فرأى هناك أرضا عظيمة وبها من الإبل الحوشية والبقر والحمير والظباء ما لا يحصى كثرة ، ورأى نخلا كثيرا حاملا وغير حامل ، والتمر ملقى حول النخل قديما وحديثا بعضه على بعض ، ولم ير أحدا من الناس ، فبينا هو كذلك إذ أتاه آت من الجنّ وقال له : ما وقوفك هاهنا؟ فقصّ عليه قصّته وما كان من الإبل ، فقال له : لو كنت فعلت ذلك على معرفة لقتلتك!