بحجته ومعجزته فعندنا من خصائص الجواهر والأجسام ما لا يحصى كثرة ، ومن المخبرين عن مغيبات الأمور من ساوى خبره (١) (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (٢) فإذا اعترفتم بأن للعالم صانعا وخالقا وحكيما ؛ فاعترفوا بأنه آمر وناه ، حاكم على خلقه ، وله في جميع ما نأتي ونذر ، ونعمل ونفكر ، حكم وأمر ، وليس كل عقل إنساني على استعداد ما يعقل عنه أمره ، ولا كل نفس بشري بمثابة من يقبل عنه حكمه ، بل أوجبت منّته ترتيبا في العقول والنفوس ، واقتضت قسمته أن يرفع ، (بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا* وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٣) ، فرحمة الله الكبرى هي النبوة والرسالة ، وذلك خير مما يجمعون بعقولهم المختالة.
ثم إن البراهمة تفرقوا أصنافا ، فمنهم أصحاب البددة ، ومنهم أصحاب الفكرة ، ومنهم أصحاب التناسخ.
١ ـ أصحاب البددة
ومعنى «البد» عندهم شخص في هذا العالم لا يولد ، ولا ينكح ، ولا يطعم ، ولا يشرب ، ولا يهرم ، ولا يموت. وأول «بد» ظهر في العالم اسمه «شاكمين» (٤) وتفسيره : السيد الشريف ، ومن وقت ظهوره إلى وقت الهجرة خمسة آلاف سنة. قالوا : ودون مرتبة البد مرتبة «البوديسعية» (٥) ومعناه الإنسان الطالب سبيل الحق ، وإنما يصل إلى تلك المرتبة بالصبر والعطية ، وبالرغبة فيما يجب أن يرغب فيه ، وبالامتناع والتخلي عن الدنيا ، والعزوف عن شهواتها ولذاتها ، والعفّة عن محارمها ، والرحمة على جميع الخلق ، وبالاجتناب عن الذنوب العشرة : قتل كل ذي روح ،
__________________
(١) وفي نسخة «من لا يساويه خبره» وفي نسخة ثانية «من لا يساوي خبره».
(٢) سورة إبراهيم : الآية ١١.
(٣) سورة الزخرف : الآية ٣٢.
(٤) وفي نسخة «شاكين» وفي رواية ثانية «شاكيموني».
(٥) وفي نسخة «البرديسعية».