يحصى من وجوه الشبه. وبالاختصار فإن كل شيء مما خلق مثلكم أيها الناس ، ودلّ على كمال القدرة عند الخالق على أن ينزّل آية (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) أي ما تركنا في الكتاب : يعني اللوح المحفوظ الذي فيه ما يجري في العالم من الكبير والصغير والجليل والحقير من الأمور من شيء ، أو هو يعني القرآن الكريم الذي فيه تبيان كلّ شيء من أمر الدين مجملا أو مفصّلا ، ومن أمور المعاش والمعاد. وكلمة : من ، مزيدة جيء بها لتزيين الجملة كما لا يخفى على أهل الدربة والبلاغة.
والظاهر من كثير من الروايات أن المراد بالكتاب في هذه الشريفة هو القرآن ، ففي حديث الإمام الرضا عليهالسلام عن الإمامة ـ كما في العيون وغيره ـ قال : جهل القوم وخدعوا عن أديانهم. إن الله لم يقبض نبيّه حتى أكمل الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شيء ، بيّن فيه الحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، وجميع ما يحتاج إليه كملا ، فقال عزوجل : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) أي أنهم جميعا يبعثون ويجمعون وتكون كل نفس بما كسبت رهينة فتجزى بما عملت إن خيرا فخير وإن شرّا فشر.
٣٩ ـ (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ ...) أي الذين كذّبوا بالقرآن هم صمّ عن استماعه وبكم لا يستطيعون النّطق بكلمة الحق وبالربوبية ، وهم (فِي الظُّلُماتِ) أي ظلمات الجهل والكفر و (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) أي يخذله ويترك نصرته ومعونته وهدايته فيصير ضالّا قهرا بسوء اختياره لنفسه ولا يتيسر له أن يكون من أهل الهدى (وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يهديه ويساعده على الهدى ويلطف به لأنه سبحانه من أهل اللطف والكرامة.
* * *
(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ