وإن قيل كيف يجيز سبحانه نقض ما كان من عهود فجأة؟ فالجواب أن عهود هؤلاء كان يجوز نقضها من أوجه :
منها أن عهود النبيّ صلىاللهعليهوآله كانت مشروطة بالبقاء إلّا أن يرفعها الله سبحانه بالوحي.
ومنها أنه قد ظهر من المشركين خيانة ونقض ، فأمره الله بالنّبذ لهم على سواء.
كما أن منها ما له مدة تنتهي وينتقض العهد بانتهائها. وقد روي أنه (ص) قد شرط عليهم كلّ ذلك. وبعد هذه البراءة خاطب سبحانه المشركين بقوله :
٢ ـ (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ ...) أي سيروا فيها واقضوا حوائجكم بأمان لمدة (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) فإذا مضت المدة ولم تعلنوا الإسلام فقد برئت الذمة منكم وانقطعت عصمة دمائكم وأموالكم (وَ) مع ذلك (اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) أي لا تفوتونه ولا يعجز عنكم أينما كنتم في ملكه (وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) أي مبعدهم ومهينهم. والأشهر الأربعة كان ابتداؤها يوم النّحر إلى العاشر من ربيع الثاني كما هو المرويّ عن الإمام الصادق عليهالسلام ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي ، وقيل إنها من أول شوال إلى آخر المحرّم لأن هذه الآية نزلت في شوال عن ابن عباس والزهري وغيرهما.
وقيل إن من كان له عهد من النبيّ (ص) إلى أكثر من أربعة أشهر حطّ عهده إليها ، ومن كان عهده إلى أقل منها رفع إليها.
ومما لا شك فيه عند أحد من المفسّرين ورواة الأخبار أنه لمّا نزلت براءة دفعها رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى أبي بكر ليبلّغها إلى الناس في الحج ، فانصرف بها حتى إذا بلغ ذا الحليفة بعث إليه عليّ بن أبي طالب عليهالسلام على ناقته العضباء فردّه وأخذها منه ، فقال أبو بكر : هل نزل فيّ شيء؟ قال رسول الله (ص): لا يبلّغ إلّا أنا أو رجل منّي ، ثم بعث بها