بفقدان المال وموت الأولاد ، وقيل : يعذّبهم بخسارة المال وسبي الأولاد حين الهزيمة في الحرب ولا يعرفون إلى ما يصيرون إليه في الآخرة ، وقيل : بل يعذّبهم في الدنيا بحفظها والسهر عليها والمصائب بها وعدم المنفعة ، ثم قيل أخيرا ـ نقلا عن ابن عباس ـ : إن في الكلام تقديما وتأخيرا ، أي : لا يسرّك أموالهم وأولادهم في الحياة الدّنيا ، إنما يريد الله ليعذّبهم بها في الآخرة .. أما (اللام) في قوله : (لِيُعَذِّبَهُمْ) فيحتمل أن يكون بمعنى (أن) كما يحتمل أن يكون (لام العاقبة) أي : إنما يملي لهم فيها ليعذّبهم (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) تهلك بالموت (وَهُمْ كافِرُونَ) باقون على حالتهم من الكفر ، فالجملة في محل نصب على أنها حال كما لا يخفى.
* * *
(وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧))
٥٦ ـ (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ ...) أي يقسم المنافقون الأيمان أنهم من جملتكم ، يؤمنون بما تؤمنون به ، وأنهم أمثالكم لا يفرقون عنكم. و (اللام) في (لَمِنْكُمْ) لزيادة التوكيد (وَما هُمْ مِنْكُمْ) أي وليسوا مثلكم مؤمنين بالله ولا برسوله (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) أي قوم يصيبهم الفرق الذي هو انزعاج النفس من توقّع الضرر ، وأصله من مفارقة المال حال انزعاج النفس من ذلك. والمعنى أنهم جماعة يخافون من القتل أو الأسر إن لم يظهروا الإيمان ، فأظهروه ليسلموا وتسلم أموالهم وأولادهم.
٥٧ ـ (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً ...) أي يتمنى هؤلاء المنافقون أن يجدوا ملجأ أي موضعا يتحصّنون فيه ويعتصمون به ، أو مغارات : جمع مغارة ، وهي مأخوذة من غار الشيء في الشيء إذا دخل منه في موضع يستره ، والغار هو الثقب الغائر في الجبل ، أي : يا ليتهم يجدون