المساكين ونواسي أهل الحاجة (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ) أي فلمّا رزقهم وأغدق عليهم نعمه بخلوا بالصدقات والزكوات وشحّت نفوسهم بالوفاء بعهد الله ومنعوا حق الله الواجب (وَتَوَلَّوْا) انصرفوا عن إيتاء الصدقات والزكوات (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) عمّا أمرهم الله تعالى به وعن الوفاء بعهدهم الكاذب. وذكر صاحب المجمع أن هذه الآيات نزلت في ثعلبة بن حاطب ، وهو من الأنصار وقد كان فقيرا فقال للنبيّ (ص) : أدع الله أن يرزقني مالا. فقال : يا ثعلبة قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه. أما لك في رسول الله أسوة حسنة؟ فو الذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت. ثم أتاه بعد ذلك فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا ، فو الذي بعثك بالحق لئن رزقني مالا لأعطينّ كل ذي حقّ حقّه. فقال (ص) : اللهمّ ارزق ثعلبة مالا. فاتّخذ غنما فنمت كما ينمو الدود ، فضاقت عليه المدينة فتنحىّ عنها ونزل واديا من أوديتها ، ثم كثرت نموّا حتى تباعد عن المدينة فاشتغل بذلك عن الجمعة والجماعة. وبعث إليه رسول الله (ص) المصدق ليأخذ الصدقة فأبى وبخل وقال : ما هذه إلّا أخت الجزية ، فقال رسول الله (ص) : يا ويح ثعلبة! يا ويح ثعلبة! ... وأنزل الله تعالى الآيات.
٧٧ ـ (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ...) أي أن بخلهم بالصدقة وامتناعهم عن دفع الزكاة وحقّ الله أورثهم النفاق الذي يلازمهم إلى يوم القيامة حيث يتلقّون الله به لأن إبليس اللعين يحول بينهم وبين التوبة ويسلبهم القدرة على إخراج حق الله فيموتون على ما هم عليه من النفاق ولا يتسنّى لهم تركه ، وذلك (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ) أي بسبب نكثهم للعهد وإخلافهم للوعد (وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) أي بسبب كذبهم في دار الدنيا.
٧٨ ـ (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ...) يعني : أما يعرف هؤلاء المنافقون المعاهدون الناكثون أنّ الله سبحانه وتعالى يعلم ما توسوس به نفوسهم وما يخفونه عن الآخرين ويبقونه سرّا مكتوما ، كما أنه يعلم