على رؤوس الأشهاد ينزجرون عن الأعمال القبيحة خوفا من الهتك والعار في يوم القيامة إذ لا تنفع الندامة. فهو تعالت قدرته يفعل ذلك معكم أيها الناس طيلة حياتكم (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) وحان حينه وحلّ أجله (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) أي قابضو الأرواح ـ عزرائيل وأعوانه عليهمالسلام ـ بكل دقة (وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) يعني لا يسبقون الأجل المقدّر ولا يتأخرون عنه لحظة واحدة بل يقومون بوظيفتهم بصورة آلية تتم بدقة عجيبة.
٦٢ ـ (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ...) أي أنهم بعد قبض أرواحهم وموتهم ردّوا : أعيدوا إلى مولاهم : من يتولّى أمورهم ومن هو مالكهم والأولى بهم من أنفسهم وهو الله عزوجل. ومولاهم بدل من لفظة الجلالة ، والحق نعت لمولى. فهم يعادون بعدها إليه ليحكم بهم بعدله (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) يعني ليس لغيره من حكم بمصائرهم والحكم محصور به سبحانه وتعالى وإن قيل كيف يكون مولى جميع الخلائق وقد قال في مورد آخر : وأنّ الكافرين لا مولى لهم؟. قلنا : المولى الأول بمعنى الخالق المالك المعبود ، والمولى الثاني بمعنى الناصر ولا تنافي بين القولين لأن الكافرين لا ناصر لهم يوم القيامة ولا معين ولا شافع. فهو سبحانه المولى ، وهو كذلك (أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) إذ يحاسبهم كلمح البصر. وقد ورد في بعض التفاسير أنه تعالى يحاسب الخلائق في قدر حلب شاة إذ لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره. وفي كتاب الاعتقادات أن الله تعالى يخاطب عباده من الأولين والآخرين يوم القيامة بمجمل حساب عمل كل واحد منهم مخاطبة واحدة يسمع كلّ واحد قضيّته دون غيره ويظنّ أنه المخاطب دون غيره. فإنه سبحانه وتعالى لا تشغله مخاطبة عن مخاطبة ولا عمل عن عمل. فيفرغ حساب الأولين والآخرين بأقل من نصف ساعة من ساعات الدنيا بقدرة خارجة عن طاقة العقول وعن طاقة جميع الموجودات. وقد سئل الإمام الصادق عليهالسلام : كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة من الأولين والآخرين؟ فقال : يحاسبهم دفعة واحدة كما يرزقهم دفعة واحدة.