يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠))
١٩ ـ (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ...) قيل : إن الناس كانوا أمة واحدة من حيث الفطرة على الإسلام والتسليم لله بالوحدانية منذ كانوا ، ثم اختلفوا في الأديان واعتناق العقائد. وقيل كانوا جميعهم على الحق وعلى دين واحد ثم اختلفوا ، ثم قيل ـ عن ابن عباس وجماعة غيره ـ إنهم كانوا أمة واحدة مجتمعة على الشّرك والكفر ، أي أنهم اختلفوا بعد نزول الأديان ، والأوّلان أقرب للمعقول لأن الدين والإسلام والعقيدة نزلت مع آدم عليهالسلام ولم يترك الله سبحانه عباده في فترة ، وما كان ليذرهم بلا دين لطفا بهم وعدلا في حكمه عليهم أولهم ... (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) هي أنه لا يعاجل العصاة بالعقاب وينعم عليهم بالتأني إذ سبقت رحمته غضبه وأخذ على نفسه الرأفة بعباده ، فلو لا ذلك (لَقُضِيَ) أي فصل (بَيْنَهُمْ) وحكم لهم أو عليهم (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) في مواضع خلافهم العقائدي والمعيشي ، وذلك بأن يهلك الكفار وينجي المؤمنين ، ولكنه أخّرهم إلى يوم القيامة وأجّل حسابهم زيادة في الإنعام عليهم.
٢٠ ـ (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ...) يعني هؤلاء الكفار يتمنّون أن تنزل آية على محمد (ص) من ربّه ، أي آية تلزم الخلق بتصديقه إلزاما وتضطرّهم إلى الإيمان اضطرارا فلا يلزمهم بعدها نظر ولا استدلال. وهم لم يطلبوا منه معجزة تدل على صدقه ولا حجة تقنعهم بصواب ما جاء به فقد أتاهم بذلك مكرّرا من غير أن تلجئهم تلك الآيات للإيمان إلجاء ودون أن تدفعهم إلى التصديق دفعا غير اختياريّ ، فإن التكليف يمنع من الاضطرار ، ويقتضي المعرفة والعلم بضرورته ليكون مجلبة للقربة والثواب (فَقُلْ) يا محمد لهؤلاء المتعنّتين : (إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) أي ما غاب عنّا علمه فلا يغيب عن الله تبارك وتعالى ، بل هو يعلم الغيب وما في الأمور من