المصالح قبل كونها وبعد كونها ، ويعلم ما في إنزاله إصلاح فينزله ، كما أنه يعلم ما ليس في إنزاله إصلاح فلا ينزله ، وعلى هذا الأساس لا ينزل الآية التي اقترحتموها برحمته وحسن تدبيره (فَانْتَظِرُوا) ما يصيبكم من عقابه في الدنيا بالقهر والقتل ، ومن عقابه في الآخرة بعذاب النار ودخول جهنّم (إِنِّي) أنا أيضا (مَعَكُمْ) منتظر (مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) وقد وعدني النّصر عليكم وأنا انتظر إعزاز الدّين وإذلالكم.
* * *
(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١))
٢١ ـ (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ ...) هذا إخبار بعموم يراد به الخصوص ، أي إذا أذقنا الكفار ـ لا الناس جميعا ـ رحمة منّا ، ورأفة تشملهم من بعد أن يكونوا قد أصيبوا بضرّاء : ببلاء. يعني إذا متّعناهم براحة ونعيم بعد بلاء وشدّة (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) يعني : فاذا هم يحاتلون لانكار آياتنا استهزاء وتكذيبا (قُلِ) لهم يا محمد : (اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) يعني هو سبحانه أقدر جزاء على المكر ، وما يأتيهم من عقابه لهم هو أسرع من مكرهم وكيدهم ، ومكره الّذي يردّ به مكرهم خفيّ يأتيهم من حيث لا يشعرون ، وهذا هو معنى مكره جلّ وعلا ، إذ يأخذهم من حيث لا ينتظرون. فقل لهم ذلك وقل أيضا : (إِنَّ رُسُلَنا) أي الملائكة الحفظة (يَكْتُبُونَ) يسجّلون ويدوّنون (ما تَمْكُرُونَ) ما تدبّرون من حيل وسوء تصرّف. وفي الآية غاية الزجر والتهديد للكفار ، لأنه من جهة يحفظ مكرهم ويسجّله عليهم ، ومن جهة ثانية هو أقدر على جزائهم وأسرع في الإيقاع بهم حين يمكر بهم كما مكروا ، أي حين يرد مكرهم بمكر لا يردّ. أما جواب (إِذا) فهو في (إِذا) الثانية التي في الآية لكونها بمعنى الجملة لما