بِها) أي سرّوا بتلك الريح لأنها تساعدهم في السير نحو هدفهم ، أو أنهم فرحوا بالسفينة وسيرها الرصين نحو مقصودهم ، ف (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) أي ضربت السفينة ريح عصفت عليها بهبوبها المخيف ، ثم ضربت الريح سطح البحر فهاج وماج (وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) أي اضطرب البحر وجاء الركاب الموج المتلاطم من جميع الجهات (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) اعتقدوا أن الموج طوّقهم والهلاك أحدق بهم وأيقنوا بالغرق ف (دَعَوُا اللهَ) ابتهلوا إليه ورفعوا الأيدي ضارعين ليكشف عنهم مخاوفهم ، وظهروا (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي فعلوا ذلك على وجه الإخلاص في العقيدة ولم يذكروا وثنا ولا صنما لعلمهم بأنه لا ينفع ولا يغني شيئا ، بل يلجأون إليه وحده : (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا) يا ربّنا (مِنْ هذِهِ) الورطة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي لنصيرنّ في جملة من يشكرك على نعمتك وفضلك.
ويلاحظ أن قوله تعالى : (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) ، هو جواب قوله : (إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ).
وقوله : (دَعَوُا اللهَ) ، جواب قوله : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ).
وقوله : (جَرَيْنَ بِهِمْ) : إخبار عن غائب بعد ابتداء الكلام بالخطاب كما أشرنا ، لأن كل من أقام الغائب مقام من يخاطبه جاز له أن يردّه إلى الغائب. وقد قال كثيرّ عزّة :
أسيئي بنا ، أو أحسني ، لا ملومة |
|
لدينا ولا مقليّة إن تقلّت |
٢٣ ـ (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ ...) أي : فلمّا خلّص الله تعالى ركاب السفينة التي كادت تبتلعها الأمواج من كارثة الغرق التي أوشكت أن تحلّ بها ، إذا بهم يبغون : تقديره : فلمّا أنجاهم بغوا وعملوا بالباطل وارتكبوا المعاصي واشتغلوا بالفساد بين المسلمين وبظلم الأنبياء ، فلسان حالنا يقول : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي أن بغيكم فيما بينكم إنما تأتونه لحبكم الحياة العاجلة وإيثارا لها