على الطاعات التي تقرّب إلى الله سبحانه (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) أي أن مالكم في الآخرة إلينا (فَنُنَبِّئُكُمْ) نخبركم يومها (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بعملكم في دار الدّنيا لأننا سجّلناه عليكم وحفظناه. وفي الآية الكريمة تهديد لا يخفى لمن مرّ في مثل هذه الحالة ، ولغيره.
* * *
(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤))
٢٤ ـ (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ ...) لمّا رغّب سبحانه في الآخرة وزهّد في الدنيا في الآيات السابقة ، أتبع ذلك بصفة هذه وتلك ، فشبّه سرعة الفناء في الحياة الدّنيا بالماء الذي أنزله (مِنَ السَّماءِ) مطرا مجتمعا ما لبث أن توزّع (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) لأن المطر يتخلّل النبات ويمتزج به ويعذّيه ويدخل في تركيبه ويصير جزءا فيه جميعه (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ) من حبوب وفواكه وخضار ، ومما ترعاه (الْأَنْعامُ) كالعشب المختلف في المراعي (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) أي بهجتها وحسنها بأنواع النباتات وألوانها (وَازَّيَّنَتْ) يعني تزيّنت وتزخرفت في عيون الناظرين إليها (وَظَنَّ أَهْلُها) أي أيقن مالكوها (أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) مستطيعون أن ينتفعوا بها وأن تدوم لهم في بهجتها الحاضرة ، حينئذ (أَتاها أَمْرُنا) جاءها قضاؤنا الذي حتمناه لإتلافها وجاءها عذابنا من برد ومطر أو ريح وحر (فَجَعَلْناها حَصِيداً) أي صيّرناها محصودة نقتلعها من الأرض يابسة جافّة (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) أي كأنها لم تكن قائمة غنّاء زاهية في أمسها وكأنها