لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦))
٣٤ ـ (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ...) تابع سبحانه الحجج على وحدانيته يلقيها على المشركين واحدة بعد واحدة ، فأنزل على رسوله (ص) : قل يا محمد لهم : هل واحد من أصنامكم وأوثانكم يملك إنشاء الخلق وابتداعه ابتداء ويجري الأرواح في الأحياء ، ويوجد الكائنات من العدم وجميع الخلق ثم يفنيه (ثُمَّ يُعِيدُهُ) في نشأة ثانية بعد موته وفنائه؟ ... فإنهم ـ يقينا ـ سيعيون عن الجواب ، ف (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) لأن جوابهم الحتمي : ليس من شركائنا من يفعل ذلك أو يقدر عليه ، بل لله الخلق والإنشاء ، فقل لهم موبّخا : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) كيف تقعون في الإفك وتنصرفون عن الحق إلى الباطل؟
٣٥ ـ (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ...) هذا الكلام القدسيّ عطف على سابقه. فتابع معهم الحجاج يا محمد واسألهم : هل من معبوداتكم التي أشركتموها مع الله معبود يدل على طريق الحق ويدعو إلى ترك الباطل ، ويأمر بالرشاد والخير وما يؤدّي إلى النجاة؟ وقد طوى سبحانه الكشح عن ذكر جواب لهم لأنهم يقعون في الخرس فقال لنبيّه : (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) وتابع جدالهم بقولك : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) ويدل على ما فيه الصلاح والخير في الدارين (أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ) أي يؤخذ بأوامره ونواهيه (أَمَّنْ لا يَهِدِّي) يعني أم من لا يهتدي ولا يهدي أحدا إلى شيء (إِلَّا أَنْ يُهْدى) يدل إذا كان يسمع أو يرى. أما أصنامكم فإنها لا تهتدي ولا تهدي فهي جماد أصمّ أبكم. وقد عبّر عنها كمن يعقل لطفا في حجاجهم لأنهم أنزلوها منزلة من يعقل حين اتخذوها آلهة. ولفظة : (يَهْدِي) أصلها : يهتدي على وزن يفتعل وقد أدغموا التاء في الدال لمقاربتها لها ولمجاورة محلّي نطقهما. فمعنى قوله سبحانه هو : أمن لا يهتدي حتّى يهدى أحقّ أن يتّبع ، أم من يهدي إلى الحق؟ (فَما لَكُمْ) ما بكم ، وما عراكم؟ وأي شيء لكم في عبادة من لا يهدي ولا يهتدي؟ .. و (كَيْفَ