مضت وانقضت ، بسبب قلة انتفاعهم أيام حياتهم وكأنهم مرّوا في الحياة مرور جماعة عاشوا فيها ساعة ثم ماتوا ، وبعثوا ، وها هم (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) يتعرّف بعضهم إلى بعض إذا خرجوا من قبورهم ، ويعرف بعضهم خطأ بعض وكفره ، ثم تنقطع تلك المعرفة عند معاينة العذاب (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) أي قد ظهر خسرانهم بلقاء الجزاء على سوء عملهم (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) للحق في دار الدنيا. فهم قد خسروا الدنيا حين صرفوها في المعاصي ، وخسروا الآخرة حين حرموا نعيمها وملذّاتها الدائمة.
٤٦ ـ (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ...) أي : فإمّا أن نريك يا محمد ـ في حياتك ـ بعض ما نعد هؤلاء الكفار ، ونحن قادرون على ذلك (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) أو نأخذك من بينهم بالوفاة قبل نزول ما وعدناهم به في الدّنيا قبل الآخرة من العقوبة بالقتل والهزيمة كما حصل في وقعة بدر وغيرها (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) معادهم ومصيرهم إلينا ولا يفوتنا الظفر بهم يوم الحساب. وهذا وعد منه سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآله بالانتقام له من أعدائه إمّا في حياته أو بعد وفاته ، وقد قدّر ذلك (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) أي أنه تعالى ناظر عالم بما يقومون به وسيوفّيهم جزاء عملهم.
٤٧ ـ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ ...) أي ولكل جماعة مجتمعة على طريقة واحدة نبيّ أرسلناه إليها وحمّلناه ما ينبغي لها فعله وتركه ، كأمة موسى وأمة عيسى عليهماالسلام وأمّتك (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ) أي إذا بعث إليهم وبلّغهم. وفي الآية الكريمة حذف ، والتقدير : إذا قام بأداء رسالته وصدّقه بعض أمته وكذّبه آخرون (قُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي حكم بنجاة المصدّقين ، وإهلاك المكذّبين ، فيفصل بينهم بما قضى الله سبحانه (بِالْقِسْطِ) أي العدل (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي لا يلحق جور على المكذّبين ، ولا ينقص من ثواب المطيعين.
* * *