عليه لتعارضوه وتقلّدوه (مِنْ دُونِ اللهِ) أي ما سوى الله القادر وحده على الإتيان بمثله (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في زعمكم. وهذا منتهى التحدي لأنه أيضا وعدهم بالخسران والقتل والأسر إلى جانب ما عاب به عقائدهم وأصنامهم ، إلى جانب حرصهم على إبطال دعوته وتفشيل أمره ودحض حججه. ولو سأل سائل : لم تحدّاهم سبحانه مرة بعشر سور ، ومرة بسورة ، وثالثة بحديث مثله ، فالجواب أن المقترح يورد تحدّيه بما يظهر فيه الإعجاز سواء كان بالأقل أو بالأكثر طالما كان واقعهم العجز عن معارضة القرآن ، وكان لا فرق بين التحدّي بسورة أو بآية ..
١٤ ـ (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ ...) أي إذا لم يجب الكفار على هذا التحدّي بالإتيان بعشر سور (فَاعْلَمُوا) اعرفوا وتيقّنوا أيها المسلمون ـ والخطاب لهم ـ (أَنَّما أُنْزِلَ) هذا القرآن الكريم (بِعِلْمِ اللهِ) ولم يفتر عليه. وقيل بل الخطاب للكفار : أي إذا لم يستجب لكم من تدعونه لمشاركتكم في معارضة القرآن فاعلموا أن القرآن معجز من عند الله وأن الحجة قد قامت عليكم ولزمتكم ، وهو قول وجيه. كما قيل إن الخطاب لرسول الله (ص) على طريقة التفخيم.
أما نزوله (بِعِلْمِ اللهِ) فمعناه أنه جلّ وعلا عالم به وبأنه حقّ ليس فيه افتراء ، وأن تأليفه ليس من إنسان قاصر مهما بلغت فصاحته بل هو مما يتلاءم مع عظمة الله وجلاله ، وأن الإعجاز الذي فيه يقصر كل علم دون علمه سبحانه عنه (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) يعني منقادون للحجة بعد قيامها عليكم ومسلّمون بأن القرآن حقّ نزل من عند الله تبارك وتعالى؟
* * *
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ