ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦))
١٥ ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ...) الزينة هي تحسين الشيء بغيره بلبس جميل أو حلية أو تجميل هيئة. والمعنى : أن الذين يرغبون في الحياة الدنيا وحسن بهجتها وما يغرّ فيها من غير أن يحسبوا حسابا للآخرة (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) أي نعطهم جزاء أعمالهم تامة بكمال الوفاء (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) أي لا يلحقهم النقص لا في مجال عطائنا للخلق في دار الدنيا ، ولا في مجال جزاء الأعمال في الآخرة. فقد يعطى الكافر في دار الدنيا عوض برّه وصلة رحمه وإحسانه إلى الآخرين وإغاثته للمظلومين ويعجل له ذلك مع إنكاره له جلّ وعلا ومع تكذيبه بالبعث والحساب ، وقيل كثيرا حول من تشملهم هذه الآية كالمنافقين الذين كانوا يغزون مع النبيّ (ص) للكسب والغنيمة دون الرغبة بثواب الآخرة ، وكغيرهم من أهل الدنيا الذين يعيشون بلا دين.
١٦ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ...) أي أن الذين يريدون الدنيا وزينتها فقط ، نعوّض عليهم جزاء حسناهم في الدنيا وليس لهم في الآخرة (إِلَّا النَّارُ) التي يدخلونها بكفرهم وبعدم تجنّبها (وَحَبِطَ) سقط وجاء على خلاف الوجه الصحيح المطلوب كلّ (ما صَنَعُوا) عملوا (فِيها) في الدّنيا (وَباطِلٌ) ذاهب سدى (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من عمل لم يقصدوا به الله عزوجل. وذكر الحسن في تفسيره أن رجلا من أصحاب النبيّ (ص) خرج من عند أهله فإذا جارية عليها ثياب وهيئة ، فجلس عندها ، فقامت فأهوى بيده إلى عارضها ، فمضت فأتبعها بصره ومضى خلفها ، فلقيه حائط فخمش وجهه ، فعلم أنه أصيب بذنبه. فأتى رسول الله صلىاللهعليهوآله فذكر له ذلك فقال : أنت رجل عجّل الله عقوبة ذنبك في الدّنيا. إن الله تعالى إذا أراد بعبد شرّا أمسك عنه عقوبة ذنبه حتى يوافي به يوم القيامة ، وإذا أراد به خيرا عجّل له عقوبة ذنبه في الدّنيا.
* * *