والصيغة القرآنية في غاية البلاغة ، ف (أُولئِكَ) المفترون (يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) أي يوقفون يوم القيامة بحيث يراهم الناس ويسألون عن افتراءاتهم ، (وَ) عندها (يَقُولُ الْأَشْهادُ) من الملائكة الحفظة الذين يشهدون على ذلك وغيره. وقيل : هم الأنبياء ، وقيل : هم الأئمة في كل قوم ، يقول أولئك الأشهاد : (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) أي نافقوا على رسل ربّهم وأضافوا إلى رسالاتهم ما لم يقله افتراء عليه (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) أي اللعنة موجّهة للذين ظلموا أنفسهم بافترائهم. واللعنة هي إبعادهم من رحمته ، والجملة ابتداء كلام يعلن النتيجة المنتظرة لهم بعد تنبيه الناس والاستفتاح ب (أَلا).
١٩ ـ (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ...) الجملة صفة للظالمين الذين لعنهم الله تعالى في الآية السابقة ، أي : هم الذين يصرفون الناس عن دين الله بجميع وسائلهم من نفاق وترغيب وترهيب (وَ) هم بذلك (يَبْغُونَها عِوَجاً) أي يريدون لسبيل الله زيغا وميلا عن الصواب كمثل ما يفعل أهل الكتاب من التغيير والتبديل في صفات النبيّ (ص) وغير ذلك (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) أي بالقيامة والبعث (هُمْ كافِرُونَ) جاحدون.
٢٠ ـ (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ...) أي أولئك الكفار الملعونين سابقا ليسوا بفائتين الله إذا حاولوا هربا في الأرض ، ولا نعجز عن إدراكهم وأخذهم حين نريد لأنهم في قبضتنا وتحت سلطاننا (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) أي ليس لهم من ينصرهم ويحميهم من بطش الله عزّ وعلا مما يوقعه بهم في الدنيا ، أو مما يحيق بهم من عذاب الآخرة ، و (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) مضاعفته ليست زيادة والعياذ بالله عمّا يستحقون وتعالى الله عن أن يجازيهم إلا بما يوازي معاصيهم سواء بسواء. وقد علل المفسرون هذه المضاعفة بأنه لا يقتصر لهم على عذاب الكفر ، بل يعاقبون على سائر معاصيهم مجموعة ، وذلك كقوله : (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ). وأنه كلما مضى نوع من العذاب على جريرة ، يعقبه نوع آخر من العذاب أشد على الجريرة الأشد مسئولية ، وكلاهما على قدر الاستحقاق ، وذلك