أنهم (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) أي بما كانوا يستطيعون السمع فلا يسمعون ، وبما كانوا يقدرون على الإبصار فلا يبصرون لعنادهم وإصرارهم على الوقوف في وجه الحق ، وقد أسقطت الباء من (ما) كقول الشاعر الذي حذف (الباء) و (في) :
نغالي اللحم للأضياف نيئا |
|
ونبذله إذانضج في القدور |
أي : نغالي باللحم ... إذا نضج في القدور. وقيل : ما كانوا يستطيعون السمع ولا الإبصار لاستثقالهم آيات الله وكراهيتهم لها ، يعني ما كانوا يقدرون على حمل أنفسهم على الاستماع والإبصار لشدة غيظهم من ذلك.
٢١ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ...) أي أهلكوها بما استحقوا من عقاب فكان ذلك بمثابة الخسران إذ ليس بعد ذلك عوض (وَ) قد (ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) فسّرناه سابقا.
٢٢ ـ (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) : قال سيبويه في (لا جَرَمَ) : جرم فعل ماض ، و (لا) ردّ لقولهم ، كقوله تعالى : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى ، لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ). قال : (لا) أي : ليس لهم الجنة ، ثم قال : (جَرَمَ) أي كسبهم وقولهم أن لهم الحسنى ، إنّ النار لهم. وقيل : جرم ، بمعنى : وجب. وقال الزجّاج : (لا) نفي لما ظنّوا أنه ينفعهم ، كأن المعنى : لا ينفعهم ذلك جرم أنهم كسبوا الخسران في الآخرة بفعلهم. وقيل أيضا : معناه : لا بدّ ولا محالة أنهم الأخسرون. كما قيل : حقّا هم الأخسرون.
* * *
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ