من أربابهم لتكون له الحجة عليهم في ذلك مع عدم الثقة بشهادة كفار يعبدون الأصنام ، لا من أجل أن تقوم الحجة بشهادتهم. ثم أكمل التحدي بقوله : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) أي احتالوا وامكروا ما وسعكم المكر لإلحاق المكروه بي ، ثم لا تمهلوني. وقال الزجّاج تعليقا على هذه الآية الشريفة : من أعظم آيات الأنبياء أن يكون الرسول وحده ، وأمته متعاونة عليه ، فيقول : كيدوني ، فلا يستطيع واحد منهم ضرّه.
٥٦ ـ (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ...) أي : إني فوّضت أمري إلى الله خالقي وخالقكم وسلّمته شؤوني كلّها لأنني متمسك بطاعته تارك لمعصيته ، وتارك ـ مع ذلك ـ إليه أمري ، عالم بأنه (ما مِنْ دَابَّةٍ) ليس من كائن يدبّ ويسعى على الأرض (إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) الناصية هي مؤخّر الرقبة وأعلاها ، فالله تعالى مالك الرّقاب وهو قادر على التصرف بها وعلى قهرها وإذلالها لأنه محييها ومميتها (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي هو على عدل في حكمه وقضائه مع ملكه للنواصي ، وتدبيره للخلق والكائنات جميعها إذ يجري ذلك كله بحسب الحكمة ولا عوج في ما يجريه عليه.
* * *
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا