بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠))
٥٧ ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ ...) أي : إن تتولّوا : تنصرفوا عن دعوتي «ف» إنّي (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) أوصلت إليكم (ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) ما بعثت لأنقله إليكم عن ربّي ، ولم أقصّر في التبليغ حتى يكون ذلك مدعاة لإعراضكم وسوء اختياركم للبقاء على الجحود فقد يهلككم هذا الجحود (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) يأتون بعدكم ويستبدلكم بهم فيتّعظون بما نزل فيكم من سخطه ويوحّدونه ويعبدونه (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) لا تقدرون على ضرّ إذا فعل بكم ذلك ولا إذا تولّيتم لأنه غير مفتقر لأحد من مخلوقاته ولا هو بحاجة لأحد ، إذ لا تضرّه معصية من عصاه (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) يحرس كل شيء من التلف والهلاك إلا إذا اقتضت الحكمة هلاكه والتخلّي عنه ، وهو سبحانه يحفظني من كيدكم الذي لا يخفى عليه لأنه لا تخفى عليه خافية ، وهو ـ كذلك ـ يحفظ جميع أعمال عباده.
٥٨ ـ (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً ...) أي لمّا حان وقت قضائنا بإهلاك عاد قوم هود ، نجّينا : خلّصنا هودا (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) ومن صدّقوا به ، وقيل كانوا أربعة آلاف ، نجّيناهم (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) أي رحمناهم لأنهم اهتدوا وأطاعوا ، وقيل بنعمة منّا خصصناهم بها (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) من عذاب ثقيل عظيم وهو عذاب الآخرة الذي يفوق عذاب الدنيا.
٥٩ ـ (وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ ...) أي (تِلْكَ) الأمة أو القبيلة التي هي عاد كفروا بالمعجزات التي أراهم إياها ربّهم للدلالة على صحة نبوّة هود (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) أي تمرّدوا على رسوله ، وإنما جمع لفظة (رسل) لأن من كذّب رسولا فقد كذّب سائر الرّسل ، ولأن هودا عليهالسلام ، وكلّ رسول ، إنما يدعو قومه للإيمان به وبمن تقدّمه من رسل وكتب ، فبتكذيب هود (ع) كذبت عاد بجميع الرّسل السابقين له (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي تابع الضعفاء والسفلة من عاد رؤساءهم الجبّارين المتكبّرين المعاندين لنبيّه.