تشاهدون خروجها بحسب الصفات التي طلبتموها وهي حامل تشرب الماء جميعه في يوم وتنفرد به فلا ترده معها دابّة غيرها ، وتدعه لهم يوما آخر. وقد انتصبت لفظة (آيَةً) على الحال من ناقة ، فكأنه قال : انتبهوا إليها في حال كونها آية. فان كنتم قد شككتم في نبوّتي فهذه معجزتي. وقد أضاف الناقة إلى الله تعالى تشريفا لها ولأنها خرجت على غير المعهود من قلب الصخرة وعلى صفات معيّنة في الحال ولدي السؤال وذلك كقولنا : بيت الله (فَذَرُوها) دعوها واتركوها (تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) ترعى العشب والنبات (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) لا تصيبوها بمكروه من ضرب أو جرح أو نحر (فَيَأْخُذَكُمْ) ينالكم إن فعلتم بها شيئا (عَذابٌ قَرِيبٌ) أي عاجل يكون سببا لهلاككم.
٦٥ ـ (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ...) أي : عقروها. وقد أضاف ذلك إليهم لأنه عقرها بعض ورضي البعض فكأنهم عقروها جميعا ، وإنما عقرها أحمر ثمود الذي ضربت به العرب المثل في الشؤم ، فقال لهم صالح : تنعّموا في بلادكم (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) يحلّ بعدها بكم العذاب. وكلمة دار هي ما يجمع الناس كما تجمع الدار العاديّة أهلها ، ولذلك يقال ديار بكر وديار مضر. وقيل إنه لما عقرت الناقة صعد فصيلها الجبل ورغا ثلاث مرات فقال صالح : لكلّ رغوة أجل يوم ، فاصفرّت ألوانهم في اليوم الأول واحمرّت في الغد ، ثم اسودّت في اليوم الثالث ، فهو قوله تعالى : (ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) أي وعد صدق لا كذب فيه. وعن جابر أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال في خطبة له في غزوة تبوك : يا أيّها الناس ، لا تسألوا نبيّكم الآيات ، فهؤلاء قوم صالح سألوا نبيّهم أن يبعث لهم الناقة ، وكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم ورودها ويحلبون من لبنها مثل الذي كانوا يشربون من مائها يوم غبّها ـ والغب ورود الإبل يوما بعد يوم ـ فعتوا عن أمر ربّهم فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيام ، وكان وعدا من الله غير مكذوب ، ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان في مشارق الأرض ومغاربها منهم ، إلّا رجلا كان في حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله