عباس : الذين شقوا ليس فيهم كافر ، وإنما هم قوم من أهل التوحيد والإيمان ، يدخلون النار بذنوبهم ، ثم يتفضّل الله عليهم فيخرجهم من النار إلى الجنّة ، فيكونون أشقياء في حال سعداء في حال أخرى.
وقيل أيضا : إن تعليق ذلك بالمشيئة على سبيل التأكيد للخلود والتبعيد للخروج ، لأن الله تعالى لا يشاء إلّا تخليدهم على ما حكم به. فكأنه تعليق لما لا يكون بما لا يكون ، لأنه لا يشاء أن يخرجهم منها ... وقيل غير ذلك كثير وفي هذا كفاية .. (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) لا ينازعه أحد في ملكه ولا في حكمه العدل.
١٠٨ ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ ...) أي أن الذين نالتهم السعادة برضوان الله لطاعاتهم وبعدهم عن المعاصي ، فيكونون في الجنّة (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي باقين مدة بقائهما (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) مرّ تعليلها وتعليل ما قبلها في الآية السابقة ، إلّا ما مضى ذكره من جواز إخراج بعض الأشقياء من تناول الوعيد لهم وإخراجهم من النار بعد دخولهم فيها ، فإن ذلك لا يتأتّى في هذه الآية بالنسبة لأهل الجنة لإجماع الأمة على أن من استحق الثواب فلا بدّ أن يدخل الجنّة ، وأنه لا يخرج منها بعد دخوله فيها (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي دائما مستمرّا غير مقطوع.
* * *
(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا