فيه صيغة النفي ، بل استهجان خرج مخرج السؤال كما بينّا (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ) أي انصرف الكافرون والمشركون للنّعم التي كانوا فيها واشتغلوا بها عن الإيمان والطاعة. والتّرف هو النعيم ورغد العيش الّذي ألهاهم وغرّهم وصرفهم عن الإيمان فاتّبعوا زخرف الدنيا ونسوا الآخرة (وَكانُوا مُجْرِمِينَ) مصرين على جرم الكفر وظلم أنفسهم ، ومن ذوي المعاصي والسيئات.
١١٧ ـ (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى ...) قيل إن معناها : وما كان ربّك ليهلك القرى (بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) بظلم منه لهم ، ولكن إنما يمهلهم بظلمهم لأنفسهم كما قال : إن الله لا يظلم الناس شيئا إلخ ... وقيل إنه لا يؤاخذهم بظلم واحد منهم مع أن أكثرهم مصلحون ، ولكن إذا عمّ الفساد وظلم الأكثرون عذّبهم. وقيل أيضا : لا يهلكهم بشركهم وظلمهم لأنفسهم وهم يتعاطون الحقّ بينهم. وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنه قال : وأهلها مصلحون ينصف بعضهم بعضا.
* * *
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩) وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠))
١١٨ ـ (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ...) أي لو أراد الله أن يكون الناس على ملّة واحدة ودين واحد بحيث يكونون مؤمنين سامعين مطيعين لفعل. ولكنه حينئذ يلجئهم إلى الإيمان إلجاء ويخلق العلم والايمان في قلوبهم خلقا يتنافى مع التفكّر والتبصّر والتوصّل إلى المعرفة واختيار