صرتم مع الحساب وجها لوجه؟ (قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) أي : اعترفنا بالتقصير والعصيان. يعني أنهم أقرّوا بالكفر واستحقاق العذاب والعقاب (وَ) كانت قد (غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي غشّتهم بما فيها من زينة (وَ) هؤلاء هم قد (شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) باعترافهم أن الدنيا خدعتهم وأطمعتهم بأباطيلها وأضاليلها ، ولذا استسلموا للعذاب واعترفوا باستحقاقهم العقاب المخلّد.
ويستفاد من هذه الشريفة أن الله تعالى قد أرسل إلى الجنّ رسولا منهم كما أرسل للإنس رسولا منهم ، بدليل مخاطبة الطرفين بذلك. وفي خبر الشامي أنه سأل أمير المؤمنين عليهالسلام : هل بعث الله إلى الجنّ نبيّا؟ فقال : نعم بعث الله نبيّا يقال له يوسف ، فدعاهم إلى الله فقتلوه. وعن الإمام الباقر عليهالسلام في حديث : أن الله عزوجل أرسل محمدا صلىاللهعليهوآله إلى الجنّ والإنس. وقال بعض أكابر المفسّرين : عموم رسالته صلىاللهعليهوآله إلى الثقلين مستفيض. ولا منافاة بين رواية الشاميّ وهذه الرواية ، لأن رواية الشاميّ محمولة على ما قبل بعثة الرسول صلىاللهعليهوآله ، وحديث الباقر عليهالسلام يعني بعثته (ص) وما بعدها.
١٣١ ـ (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ ...) أي أن الأمر كما ترى يا محمد ، وربّك يبعث الرّسل لعباده ، وينزّل عليهم الكتب ، لأنه سبحانه عادل لا يظلم ولا يعاقب أحدا إلّا بعد إتمام الحجة. فهو يرسل الأنبياء مبشّرين ومنذرين ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فإن لم يعمل الناس بحسب ما أمرتهم به الرّسل ، ولم يرتدعوا عن المعاصي ولم يتوبوا منها بل أصرّوا عليها يعاقبهم الله سبحانه بما يستحقون ، ولكن حاشاه أن يهلك أحدا أو أن يهلك قرية (وَأَهْلُها غافِلُونَ) عن أن العذاب يصيب من كان على مثل ما هم عليه من العصيان والعناد. فالله سبحانه لا يأخذ أحدا على حين غرّة ، ولا يعذّب إلّا بعد البيان والحجة. والواو في الجملة واو الحال ، ومعنى ذلك أنه