قلت : أفضلّالا كانوا قبل النبيّين أم على هدى؟ قال : لم يكونوا على هدى ، كانوا على فطرة الله التي فطرهم عليها ، لا تبديل لخلق الله ولم يكونوا ليهتدوا حتّى يهديهم الله ، أما تسمع بقول إبراهيم : (قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) (١)؟! أي ناسيا للميثاق». (٢)
أقول : قوله : «لم يكونوا على هدى ، كانوا على فطرة الله ...» إلى آخره ، يفسّر معنى كونهم «ضلّالا» في أوّل الحديث ، وأنّهم إنّما خلوا عن الهداية التفصيليّة إلى المعارف الإلهيّة ، وهي الهداية المطلقة في كلامه تعالى للمؤمنين ، وأمّا الهداية الفطريّة الإجماليّة فهي تجامع الضلال بمعنى الجهل بالتفاصيل.
وإليه يشير ما في المجمع عن الباقر ـ عليهالسلام ـ أنّه قال : «كان الناس (٣) قبل نوح أمّة واحدة على فطرة الله ؛ لا مهتدين ولا ضلّالا ، فبعث الله النبيّين ...» (٤) الحديث.
فالهداية هدايتان : هداية فطريّة ، كما قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٥) وهداية تفصيليّة ، وهي التي يشير إليها بقوله : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وإحدى الهدايتين عامّة والاخرى خاصّة.
وقوله ـ عليهالسلام ـ : «أي ناسيا للميثاق» تفسير للضلال ، فالهداية ذكر الميثاق ، وهذا يعطي للهداية حدّا وراء معنى إراءة الطريق ؛ وهو الإيصال إلى
__________________
(١). الانعام (٦) : ٧٧.
(٢). تفسير العيّاشي ١ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ، الحديث : ٣٠٩.
(٣). في المصدر : «كانوا»
(٤). مجمع البيان ٢ : ٦٥.
(٥). الأعلى (٨٧) : ٣.