إنّ الله عزوجل إبتدع الأشياء كلّها بعلمه على غير مثال كان قبله ، فأبتدع السماوات والأرضين ولم يكن قبلهن سماوات ولا أرضون ، أما تسمع لقوله تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) (١)» (٢).
أقول : وروى مثله الصفّار في البصائر والعيّاشي في تفسيره (٣).
وإذا كانت السماوات والأرض مبدعات بطلت دعوى الولد له سبحانه ، إذ الولد إنّما يكون عن صاحبة ، والصاحبة ممّا أبدعه الله فيما بين الأزواج ، فلم يكن قبل إيجاد الخلق صاحبة فلم يكن ولد ، ولو لم يكن عن صاحبة كان خلقا كسائر المخلوقات لا وجه لاختصاصه باسم الولد ، فخلق كلّ شيء ، والعلم بكلّ شيء يأبى عن اتخاذ الولد من المخلوقات ، والإبداع يأبى عن صحة تحقّق الولد.
قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ)
حجة على المفوّضة الزاعمة أنّ أفعال العباد مخلوقة لهم ، وما احتجوا به أنّ الآية مخصّصة عقلا ، فإنّ نسبة أفعال العباد إلى الله عزوجل يوجب الجبر المستلزم لإسناد الشرور والقبائح إليه تعالى ، وبطلان البعث والتشريع والثواب والعقاب ، إلى غير ذلك مردود بأنّه إنّما يستلزم ذلك لو كان نسبة الخلق إلى الجميع نسبة واحدة وليس كذلك ، فالإرادة الإلهية لم تتعلق بالجميع على نحو واحد بل إنّما تعلّقت بأفعال العباد من مجرى اختيارهم وبغيرها على غير هذا النحو ، ويستنتج
__________________
(١). هود (١١) : ٧.
(٢). الكافي ١ : ٢٥٦ ، الحديث : ٢.
(٣). بصائر الدرجات : ١١٣ ، الحديث : ١ ؛ تفسير العياشي ١ : ٣٧٣ ، الحديث : ٧٧.