شَمائِلِهِمْ) بلفظة : (عَنْ).
قيل في وجهه : إنّ الملكين الكاتبين للأعمال لمّا كانا قاعدين عن اليمين والشمال لا يقرب الشيطان منهما ، بل يتباعد عنهما.
أقول : وهو وجه غير مغن فإنّ التعدية ب (عن) غير مختص بإتيان الشيطان ؛ بل مطّرد في غيره ، كما في قوله تعالى : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ) (١) ، وقوله : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) (٢) ، وقوله : (قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) (٣).
وقيل : إنّ اختلاف الحروف في التعدية لغة تؤخذ ولا تقاس ، إنما يفتّش عن صحّة موقعها فقط ، فلمّا سمعناهم يقولون : جلس عن يمينه وعلى يمينه ، وعن شماله وعلى شماله قلنا معنى على يمينه : إنّه تمكّن من جهة اليمين تمكّن المستعلي من المستعلى عليه ، ومعنى عن يمينه : إنّه جلس متجافيا عن صاحب اليمين منحرفا عنه غير ملاصق له ، ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره. إنتهى (٤).
أقول : وهو غير واف ، فإنّ السؤال باق بعد ، فإنّ الوجه الذي ذكره يمكن انطباقه على ما بين الأيدي وعلى الخلف فتخصيص الإثنين من بين الأربعة لا بدّله من وجه.
ويمكن أن يقال : إنّ معنى التجاوز متقدّم بظهور بعد خفاء وهو إنّما يتمّ في جانبي اليمين والشمال ، وأمّا ما بين الأيدي ففيه معنى الظهور فقط ، وأمّا الخلف
__________________
(١). النحل (١٦) : ٤٨.
(٢). ق (٥٠) : ١٧.
(٣). الصافات (٣٧) : ٢٨.
(٤). راجع الكشّاف ٢ : ٩٣ ؛ للزمخشري ؛ الميزان في تفسير القرآن ٨ : ٣٢.