ففيه معنى الخفاء فقط ، بخلاف اليمين والشمال ففي الكلام تلميح إلى ذلك ، وقد شاع ذلك حتى جعل (عن) بمنزلة الجزء من الكلمة ، فاستعمل اسما وأدخل عليه (من) فقيل : من عن يمينه ومن عن شماله وذلك من التطوّر في اللغة.
قوله سبحانه : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ)
وهؤلاء الأكثرهم المتبعون له من الغاوين بدليل قوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (١) ، وقد عبر عنه في موضع آخر بقوله : (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٢) ، وغير هؤلاء هم المخلصون قال : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٣).
ومن هنا يستفاد أنّ الشاكرين مخلصون ، بمعنى ثبوت الوصف لا حدوث الفعل ، والشكر إنّما يكون على نعمة أنعمها منعم ، ومعناه استعمال النعمة على وجه يحكي الإستعمال ، كونها نعمة بدليل قوله : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (٤) ، وقوله : (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (٥) ، إلى غير ذلك من الآيات.
وأصل الكفر الستر ، فالشكر كشف وحكاية ، فيؤول المعنى إلى الذكر والنسيان فالشاكرون هم الذين لا ينسون الله في نعمة أنعمها عليهم ، وكلّ شيء نعمة ، فهم لا ينسون الله في شيء من أنفسهم وغير أنفسهم طرفة عين ، فهم
__________________
(١). الحجر (١٥) : ٤٢.
(٢). النساء (٤) : ١١٨.
(٣). ص (٣٨) : ٨٢ ـ ٨٣.
(٤). إبراهيم (١٤) : ٧.
(٥). البقرة (٢) : ١٥٢.