الذاتي لا يحتاج إلى بيان آخر ، وقوله : (لَنْ تَرانِي) كاف في معناه أحسن كفاية.
وأيضا قوله سبحانه : بعد إفاقة موسى وتوبته حيث قال : (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ، وارد مورد الإمتنان على موسى ـ عليهالسلام ـ وأمره بأن يقنع بما آتاه الله من الرسالات والتكليم ورزقه من التقرّب ، ولا يستزيد بسؤال ما ليس له ، وهذا لا يصحّ إلّا فيما هو ممكن في نفسه غير ممكن لموسى ـ عليهالسلام ـ.
وبالجملة ، كلّ ذلك يدلّ على أنّ المسؤول كان أمرا من سنخ التجلّي الذي وقع للجبل فاندكّ ، فهذا هو المراد بالرؤية ، لا الرؤية البصرية المستحيلة.
ولا دليل على انحصار حقيقة الرؤية والنظر فيما يفهمه العامّة من النظر بالحدقة الباصرة ، فقدأ ثبت الله سبحانه في كلامه أصل معناه قال سبحانه : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (١) ، وفي هذا المعنى أيضا قوله سبحانه : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ* أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (٢) ، ـ كما سيجيء ـ ، وقوله : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) (٣).
فكل ذلك يثبت إمكان الرؤية والمشاهدة والوعد بها ، وهي المعرفة ، كمال المعرفة غير المعرفة التي تحصل بنظر العقل وايصال الدليل ، فموسى ـ عليهالسلام ـ
__________________
(١). القيامة (٧٥) : ٢٢ ـ ٢٣.
(٢). فصلت (٤١) : ٥٣ ـ ٥٤.
(٣). العنكبوت (٢٩) : ٥.