وإشهادهم كما هو ظاهر وإمّا متفرّع على الإشهاد.
ويكون المعنى على الأول : إنّا أخذناكم من الظهور وأشهدناكم لتسقط الحجّتان ، فلو لم نفرّق بينكم وبين آبائكم لكانت لكم الحجة علينا ، ومن المعلوم أن لو يفرّق بينهم في الدنيا لم يكن هناك مبطلون حتى يحشروا ويحتجوا على ربّهم بغفلة أو تبعيّة.
ويكون المعنى على الثاني : أن لو نشهدكم في الدنيا على أنفسكم وعلى ربّكم لقلتم يوم القيامة : إنّا كنّا غافلين عن التوحيد ، أو قلتم : إنّا وإن لم نغفل عن التوحيد ، لكن الشرك إنّما فعله آبائنا وكنّا تابعين محضا من غير استقلال ، ومن المعلوم أنّ فرض عدم الإشهاد يناقض فرض عدم الغفلة ، فإذا لم يشهدوا في الدنيا فكيف يتصوّر أن لا يغفلوا.
ولو فرض أنّ الحجتين جميعا على تقدير الغفلة كان ذكر التبعية في الولادة والشرك لغوا ، حاشا كلامه سبحانه عن ذلك ، وذلك أنّ التبعية مع فرض عدم الغفلة لا يوجب معذوريّة عند العقل وهو ظاهر.
وأيضا قوله تعالى : في الآية الثانية : (إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ) ، يعطى أنّ الشرك منحصر حينئذ فيهم من غير وجوده في ذريّتهم مع أنّه خلاف فرض شركهم واحتجاجهم ، وكذا قوله : (أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) ، يفيد أنّ الفعل فعل آبائهم وليس بفعلهم مع أنّ الضرورة تقتضي بخلافه ، فإنّ الضعيف التابع في الدنيا فاعل مستقل غير مسلوب عنه الفاعلية ، ولا معنى لاحتمال المسامحة في التعبير لمكان التبعيّة ، فإنّ مقام الإحتجاج يأبى عن ذلك وخاصة في يوم لا ينطقون (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) (١).
__________________
(١). النبأ (٧٨) : ٣٨.