هذا ، وقد طرحوا عدّة من الروايات وردت في تفسير الآية بعالم الذرّ بأنها غير تامّة السند مخالفة لظاهر الكتاب ، وقد ذكروا وجوها في إبطال دلالة الآيتين بعالم الذرّ.
منها : إنّ هذه الذرّيّة المستخرجة من صلب آدم لا يخلو إما أن جعلهم الله عقلاء أو لم يجعلهم كذلك ، فإن لم يجعلهم عقلاء فلا يصحّ أن يعرفوا التوحيد وأن يفهموا خطاب الله تعالى ، وإن جعلهم عقلاء وأخذ عليهم الميثاق فيجب أن يتذكّروا ذلك ولا ينسوه ، لأنّ أخذ الميثاق لا يكون حجة على المأخوذ عليه إلّا أن يكون ذاكرا له ، فيجب أن نذكر نحن الميثاق.
والجواب : إنّ الذي هو حجة إنّما هو معرفة التوحيد لا خصوصيات الموقف ، والمعرفة بالتوحيد محفوظة غير منسيّة وإنّما المنسيّ خصوصيات الموقف وليست بحجّة ، ألا ترى إنّك إذا أردت أخذ عهد من زيد مثلا فأحضرته دارك وأكرمته وأجلسته مجلس الكرامة ، ثمّ خاطبته بالإنذار والتبشير ، ولم تزل به حتى أرضيته فأعطاك العهد ، فهو مأخوذ بعهده ما دام يذكره وإن نسي الموقف وجميع المقارنات التي قارنت إعطائه العهد وهو ظاهر.
ومنها : أنّه لا يجوز أن ينسى الجمع الكثير والجمّ الغفير من العقلاء شيئا كانوا عرفوه وميّزوه ، حتى لا يذكره واحد منهم وإن طال العهد ، حتى أنّ أهل الجنّة يذكرون بعض ما وقع لهم في الدنيا على ما حكاه الله تعالى عنهم في مواضع من كلامه ، ولو جاز النسيان مع هذه الكثرة لجاز أن يكون الله تعالى قد كلّف الخلق فيما مضى ، ثم أعادهم إما ليثيبهم وإما ليعاقبهم ونسوا ذلك.
ولازم ذلك صحة قول التناسخية أنّ المعاد إنّما هو خروج النفس من البدن ودخولها في بدن آخر لتجد في الثاني جزاء الأعمال التي عملتها في الأول.