دون مجرد المعرفة فإنه فطري شامل موجود في المشرك والمؤمن ، غير منفي عن المشرك ، وأمّا دلالة قوله تعالى : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) (١).
فبيانه أنّ مثل هذا التركيب إنّما يورد فيما كان هناك ترقّب وانتظار ، كالفرق بين أن يقال : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) (٢) ، وبين أن يقال : فلم يؤمنوا بما كذّبوا به من قبل.
فإنّ الأوّل : يفيد أنّهم لم يؤمنوا وكان مترقّبا منهم ذلك ، لكونهم كذّبوا به من قبل.
والثاني : يفيد أنّهم لم يؤمنوا به بعد أن كذّبوا به من غير انتظار ولا اقتضاء من التكذيب السابق لعدم الإيمان اللاحق بخلاف الأوّل فإنّه يثبت اقتضاء الحالة الأولى للحالة الثانية واستلزامها لها ، ولو كان المراد من التكذيب السابق ، التكذيب الدنيوي ، بمعنى أنّهم لم يؤمنوا لا حقا لتكذيبهم بآيات الله سابقا وعدم اعتنائهم بما تدلّ به من المبدء والمعاد وعدم اعتبارهم بما ينبغي أن يعتبر به المعتبرون ، كان ذلك بناء الكلام على الإقتضاء العادي ، والإقتضاءات العاديّة كثيرا ما تتخلّف من غير تأثير ، فإنّا كثيرا ما وجدنا أو سمعنا بالعتاة والطغاة والفجّار البالغين في هتك محارم الله عادوا بعد وتابوا وحسن رجوعهم ونصحت توبتهم فأصلحوا بعد أن كانوا مفسدين ، والإعتماد على امثال هذه الإقتضاءات منّا لمسامحتنا في أمر العلم وركوننا بالظنون والأوهام ، لكنّه لا يصحّ منه سبحانه.
ومن ذلك يظهر أنّ هذا التكذيب السابق منهم لا يتخلّف عن مقتضاه ، وهذا
__________________
(١). يونس (١٠) : ٧٤.
(٢). يونس (١٠) : ٧٤.