التحقيق والوجوب ، بل يعنى به المصداق.
وبيانه أنّ الكلام إنّما يطابق فيما يطابق الواقع الثابت ، والثابت من حيث إنّه ثابت لا يقبل إلّا الثبات والتحقّق واللزوم والتعيّن ، فكلّ تغيّر وتردّد وتزلزل ورجاء وتمنّ وغير ذلك إنّما يتحقّق في ظرف الإدراك والوهم ، فالإبهام والتردّد والشكّ وغيرها فينا إنّما هي في ظرف إدراكنا لا في الخارج بما هو خارج.
وملاك الأمر إمكان المطابقة واللّامطابقة بين علمنا وبين الواقع وهو ظاهر.
وأمّا الله سبحانه وتعالى فحيث كان علمه تعالى بالخارجيّات عين تلك الخارجيّات لكمال الإحاطة وتمام القيوميّة ، فلا يتصوّر في حقّه سبحانه تردّد وشكّ وإبهام ، وكذلك تمنّ ب «ليت» ، ولا ترجّ ب «لعلّ» ، غير أنّ مجرّد الترديد وما يجري مجراها ، وإن صحّ تعليق الكلام بذلك من حيث إنّه لفظ كاشف حاك عن معنى ، لكن لا يصحّ من حيث استدعاء الكلام فائدة يعبأ بها ويعتنى بشأنها عند العقلاء ، فلا يعلّق الكلام على أيّ قيد ولا يتمنّى أيّ محال ، ولا يرجى أيّ ممكن ، بل هذه المعاني إنّما يعلّق عليها أو يتقيّد بها الكلام إذا كان من طبع الكلام بحسب المقام أن يعتريه ذلك المعنى.
فإن كان المناسب حينئذ قيامه ، أعني الترجّي والتمنّي والاستفهام والتعجّب وغيرها بالمتكلّم ، كان قائما به كما هو الغالب ، وإن كان المناسب قيامه بالمخاطب قام به ، وإن كان المناسب قيامه بطبع المقام قام به فقط ، كخطابات القرآن على ما تشتمل عليه من المعاني الإنشائيّة ، كقوله تعالى : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ) ، (١) وقوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً
__________________
(١). المائدة (٥) : ١١٦.