قوله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ)
العزوب : الغيبة والزوال ، ولفظ الآية يدلّ على أنّ الأشياء حاضرة عنده سبحانه بأنفسها ، وهوياتها الخارجيّة لا بصورها العلمية على حدّ علومنا الحصوليّة ، كما إنّ قوله تعالى في الجملة السابقة : (إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ)، يدلّ على ذلك ، حيث قيّد الكلام بقوله تعالى : (إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ)، ثمّ إنّ قوله : (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ)، يدلّ على أنّ الأصغر والأكبر في الكتاب ، وهذا اللفظ وأمثاله يدلّ على أنّ مثقال الذرّة وهو الذي أخذ وسطا يقاس إليه الأصغر والأكبر أيضا في الكتاب ، فإنّ الكلام مسوق للإستيعاب والإستغراق ، فمعناه أنّ كلّ شيء مشهود له تعالى حاضر لديه ، حتّى مثقال الذرّة كائنا ما كان ، فالأكبر من مثقال الذرّة أيضا مشهود حاضر.
فإذن يفهم منه أنّ كلّ شيء حاضر عنده تعالى بوجوده وعينه ، وأنّ كلّ شيء في الكتاب المبين بوجوده وعينه ، فالكتاب المبين مرتبة عين الأشياء ، كما أنّ علمه تعالى المذكور في هذه الآية مرتبة عينها ، فالكتاب المبين هو علمه تعالى بالأشياء في مرتبة أعيانها وأنت إذا تحصّلت هذه الحقيقة القرآنيّة وتمكّنت من فهمها ثمّ أخذتها معك موجّها وجهك إلى أفق حقائقها لم تزل تستطلع نجما بعد نجم وتستشرق لمعا بعد لمع ، والله ـ سبحانه ـ هو الهادي.
قوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)
قد مرّ من الكلام في قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (١).
__________________
(١). المائدة (٥) : ٥٥.