ما يظهر به معنى هذه الآية ، فأولياء الله تعالى هم الذين يباشر الله سبحانه تدبير أمرهم ، فليس لهم من الأمر شيء ، فكلّما لهم من الشأن فهو لله سبحانه ، والخوف من مكروه ، متوقع مترقّب ، والحزن من مكروه متحقّق إنّما يتصوران إذا توجّه المكروه إلى ما يملكه الإنسان ، فأمّا إذا لم يملك شيئا فلا يخاف ولا يحزن ، إذ لا يرتبط به المكروه ولا يماسّه.
قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)
ظاهر السياق أنّه تفسير لأولياء الله في الآية السابقة ، وإن احتمل الاستئناف ، وعلى أيّ حال فقوله : (وَكانُوا)، يدلّ على كون إيمانهم مسبوقا بتقوى مستقّر مستمّر منهم ، فليس هو الإيمان البدوي ، فإن التقوى يجب أن تكون أيضا مسبوقة بإيمان ، والإيمان نفسه مسبوق بالإسلام البدوي الحاصل بالشهادتين ، قال تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (١) ، وقال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٢) ، وقال تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (٣).
والآيتان كما ترى تدلان على أنّ الإيمان من المؤمن لا يخلص حتّى يتحقّق التسليم التامّ لله ورسوله ، فهذا الإيمان أيضا مسبوق بإسلام بعد الإيمان السابق عليه ، فالإيمان المذكور في هذه الآية مرتبة من الإيمان يسبقه إسلام ، وقبله
__________________
(١). الحجرات (٤٩) : ١٤.
(٢). النساء (٤) : ٦٥.
(٣). يوسف (١٢) : ١٠٦.