النفس الإنسانيّة من حيث أنّها مدركة ، وكأنّه بناء على ما كانوا يعتقدونه من أنّ الإدراك بالحياة ومتعلّق الحياة هو القلب ، ومن الواضح أنّ المراد بالقلب في أمثال المورد ليس هو اللحم الصنوبري المعلّق عن يسار الصدر.
وكيف كان فالمراد أنّ الله يحول بين الإنسان ونفسه ، عبّر بهذه العبارة ليكون أقرب من الفهم وأسهل في التلقّي ، والله سبحانه قد أثبت لنفسه الملك المطلق كما قال : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) ، (١) وقال : (لَهُ الْمُلْكُ) ، (٢) وكلّ شيء خصّ بشيء أو ارتبط به شيء فقد ملكه كما قال سبحانه : (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) ، (٣) وقال : (فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً). (٤)
وعلى هذا فكلّ إضافة بين شيئين فهو ملك مّا من حيث إنّ للمضاف قياما بالمضاف إليه واختصاصا به ، فقولك مالي وجاهي وأخي ونفعي وضرّي وحياتي ونفسي ، كلّ ذلك من الملك ، وهو سبحانه المالك حقيقة ، وهو سبحانه الواسطة والرابط بين المضاف والمضاف إليه في جميع موارده ، فله سبحانه الحيلولة المطلقة ، فهو سبحانه حائل بيننا وبين قلوبنا في جميع ما ندركه أو نحبّه أو نبغضه أو نريده أو نتمنّاه أو نرجوه أو نخاف منه ، فلا المدرك منّا يمكنه أن يدرك ويفهم شيئا من غير إلهامه وهدايته ، ولا المطيع منّا يقوى على إطاعة من دون توفيقه وتسديده ، ولا العاصي يقدر على ذنب وسيّئة بلا خذلان وسخط
__________________
(١). آل عمران (٣) : ٢٦.
(٢). الأنعام (٦) : ٧٣.
(٣). الفرقان (٢٥) : ٣.
(٤). الفتح (٤٨) : ١١.