يقبلون من وجدوه طيب الأخلاق ، ويردون من وجدوه خبيث الأخلاق ، فإن هذا ليس من شأن أهل التربية النبوية ، بل من شأنهم أن يقبلوا الناس على السوية ، ويقلبوا فيهم الأعيان ، فيقلبون العاصي طائعا ، والكافر مؤمنا ، والغافل ذاكرا ، والشحيح سخيا ، والخبيث طيبا ، والمسيء محسنا ، والجاهل عارفا ، وهكذا ؛ لما عندهم من الإكسير ، وهى الخمرة الأزلية ، أي : التي من شأنها أن تقلب الأعيان ، كما قال ابن الفارض رضي الله عنه فى وصفها :
تهذب أخلاق النّدامى فيهتدى |
|
بها لطريق العزم من لا له عزم |
ويكرم من لم يعرف الجود كفّه |
|
ويحلم عند الغيظ من لا له حلم |
وقوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) يعنى : حتى تتحققوا بوصول الغنى إلى قلوبهم ، فإن تحققتم فخذوا ما بذلوا لكم من أموالهم. والله تعالى أعلم.
ولمّا كان الأولياء ، إذا كانت تحتهم يتيمة لها مال ، وخافوا أن يدخل معهم أجنبى ، تزوجها أو زوجوها من أبنائهم ، حرصا على أكل مالها ، ولا يقسطون لها فى صداقها ، وربما أساءوا عشرتها انتظارا لموتها ، فنهاهم الله عن ذلك بقوله :
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣))
قلت : «ما» من شأنها أن تقع على ما لا يعقل ، وهنا وقعت على النساء لقلة عقلهن حتى التحقن بمن لا يعقل (١) و (مثنى وثلاث ورباع) أحوال من (ما) ممنوعة من الصرف للوصف والعدل ، أي : اثنتين اثنتين ، وثلاثا ثلاثا ، وأربعا أربعا.
يقول الحق جل جلاله : (وَإِنْ خِفْتُمْ) يا معشر الأولياء ألّا تعدلوا (فِي الْيَتامى) التي تحت حجركم إذا تزوجتم بهن طلبا لمالهن ، مع قلة جمالهن ، فتهجروهن أو تسيئوا عشرتهن ، (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) من غيرهن ، أو : وإن خفتم ألا تقسطوا فى صداقهن إذا أعجبنكم لمالهنّ ـ الذي بيدكم ـ وجمالهن ، فانكحوا غيرهن ، ولا تنكحوهن إلا إذا أعطيتموهن صداق أمثالهن.
__________________
(١) قوله : (من شأنها أن تقع على ما لا يعقل) ، فيه نظر ، فإن (ما) تقع على العاقل وغير العاقل ، قال تعالى عن الصالحين : «إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم» (سورة ص آية ٢٤) وغير ذلك من آيات كثيرة ، بل إن قول الله تعالى : «فانكحوا ما طاب لكم من النساء ، نص فى أن «ما» تقع على العاقل.
أما قوله : [حتى التحقن بمن لا يعقل] فينقضه الكثير من الآيات والأحاديث ، قال تعالى : «لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض» (آل عمران ١٩٥) وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «النساء شقائق الرجال» وللمفسرين فى الآية توجيهات أخر ، أولى من توجيه شيخنا ابن عجيبة ، منها : أن «ما» فى الآية موصولة أو موصوفة. راجع (تفسير : القرطبي ـ ابن عطيه ـ الآلولسى).