قالت عائشة ـ رضى الله عنها ـ : (هى اليتيمة تكون فى حجر وليها ، فيرغب فى مالها وجمالها ، ويريد أن ينكحها بأدنى صداقها ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن فى إكمال الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما سواهن من النساء.). رواه البخاري.
وقال ابن عباس رضي الله عنه : ـ (إن الرجل منهم كان يتزوج العشرة وأكثر ـ يعنى قبل التحريم ـ فإذا ضاق ماله أخذ من مال يتيمه) ، فقال لهم : إن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى ـ أي : فى أموالهن ـ فانكحوا ما طاب لكم من غيرهن (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أي : اثنتين اثنتين لكل واحد ، أو ثلاثا ثلاثا ، أو أربعا أربعا ، ولا تزيدوا ، فمنع ما كان فى الجاهلية من الزيادة على الأربع ، وهو مجمع عليه بنص الآية ، ولا عبرة بمن جوّز تسعا لظاهر الآية ؛ لأن المراد التخيير بين تلك الأعداد ، لا الجمع ، ولو أراد الجمع لقال تسعا ، ولم يعدل عن ذلك إلى ما هو أطول منه وأقل بيانا.
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) بين الاثنتين أو الثلاث أو الأربع ، فاقتصروا على واحدة ، أو على ما ملكت أيمانكم من قليل أو كثير ؛ إذ لا يجب العدل بينهن ، (ذلِكَ) الاقتصار على الواحدة (أَدْنى) أي : أقرب (أَلَّا تَعُولُوا) أي : تجوروا أو تميلوا ، أو ألا تجاوزوا ما فرض عليكم من العدل ، أو أدنى ألا يكثر عيالكم فتفتقروا ، وهى لغة حمير. والله تعالى أعلم.
الإشارة : اعلم أن الحق تعالى جعل أولياءه أصنافا عديدة ؛ فمنهم من غلب عليه فيض العلوم ، ومنهم من غلب عليه هجوم الأحوال ، ومنهم من غلب عليه تحقيق المقامات. قال الشيخ أبو العباس المرسى رضي الله عنه : كان الجنيد رضي الله عنه قطبا فى العلوم ، وكان أبو يزيد رضي الله عنه قطبا فى الأحوال ، وكان سهل بن عبد الله قطبا فى المقامات. ه. أي : كل واحد غلب عليه واحد من ذلك ، مع مشاركته للآخر فى الباقي ، فينبغى لكل واحد أن يخوض فى فنّه الذي خصّه الله به ولا يتصدى لغيره. فقال لهم الحق ـ جل جلاله ـ من طريق الإشارة : فإن خفتم يا من غلبت عليهم الأحوال أو المقامات ، ألّا تقسطوا فى يتامى العلوم التي اختص بها غيركم ، فانكحوا ما طاب لكم من ثيبات الأحوال وأبكار الحقائق ، كثيرة أو قليلة ، فإن خفتم أن تغلبكم الأحوال ، أو التنزل فى المقامات ، ولا تعدلوا فيها ، فالزموا حالة واحدة ومقاما واحدا ، وهو المقام الذي ملكه وتحقق به ، فإنه أقرب ألا ينحرف عن الاعتدال ؛ لأن كثرة الأحوال تضر بالمريد كما هو مقرر فى فنه. والله تعالى أعلم.
ولمّا أمر بالنكاح أمر ببذل الصداق ، فقال :
(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤))