فى مرورهم ورجوعهم ، فيتفكرون ويؤمنون ، (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) أي : بل كانوا قوما كفرة بالبعث ، لا يخافون ولا يأملون بعثا ، كما يأمله المؤمنون ؛ لطمعهم فى الوصول إلى ثواب أعمالهم. أو : بل كانوا قوما كفرة بالبعث ، منهمكين فى الغفلة ، يرون ما نزل بالأمم أمرا اتفاقيا ، لا بقدرة الباقي ، فطابع الكفر منعهم من التفكر والاعتبار. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ينبغى للمؤمن العاقل ، المشفق على نفسه ، أن ينظر فيمن هلك من الأمم السالفة ، ويتأمل فى سبب هلاكهم ، فيشديده على الاحتراز مما استوجبوا به الهلاك ، وهو مخالفة الرسل وترك الإيمان ؛ فيشديده على متابعة ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم من الأوامر والنواهي ، ويرغب فيما رغّب فيه ، ويهتدى بهديه ، ويقتدى بسنته ، ويربى إيمانه ، ويجعل البعث والنشر والحشر بين عينيه ، فهذه طريق النجاة. وينبغى للمريد ، إذا رأى فقيرا سقط من درجة الإرادة ويبست أشجاره ، أن يحترز من تلك الزلاقة التي زلق فيها ، فيبحث عن سبب رجوعه ، ويجتنبه جهد استطاعته. ومرجعها إلى ثلاث : خروجه من يد شيخه إلى غيره ، وسقوط تعظيم شيخه من قلبه ؛ بسبب اعتراض أو غيره ، واستعمال كثرة الأحوال ، حتى يلحقه الملل. نسأل الله الحفظ من الجميع بمنّه وكرمه.
ثم ذكر وبال من لم يعظم الواسطة ، فقال :
(وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤))
يقول الحق جل جلاله : (وَإِذا رَأَوْكَ) أي : مشركو مكة (إِنْ) ؛ ما (يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) أي : مهزوءا بك ، أو محل هزؤ ، حال كونهم قائلين : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) ، ورسولا : حال من العائد المحذوف ، أي : هذا الذي بعثه الله رسولا ، والإشارة ؛ للاستحقار فى اعتقادهم وتسليمهم البعث والرسالة ، مع كونهم فى غاية الإنكار لهما ؛ على طريق الاستهزاء ، وإلا لقالوا : أبعث الله هذا رسولا.