عَلَيْهِ) أي : على الظل (دَلِيلاً) ، لأنه بالشمس يعرف الظل ، فلو لا طلوعها وظهورها ما عرف الظل ، ولا ظهر له أثر ، فالأشياء تعرف بأضدادها.
(ثُمَّ قَبَضْناهُ) أي : أخذنا ذلك الظل الممدود (إِلَيْنا) ؛ إلى حيث إرادتنا (قَبْضاً يَسِيراً) أي : على مهل قليلا قليلا ، حسب ارتفاع دليله ، على حسب مصالح المخلوقات ومرافقها.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) أي : جعل الظلام الساتر كاللباس (وَالنَّوْمَ سُباتاً) أي : راحة لأبدانكم ، وقطعا لأعمالكم. والسبت : القطع ، والنائم مسبوت ؛ لأنه انقطع عمله وحركته ، وقيل السبات : الموت ، والميت مسبوت ؛ لأنه مقطوع الحياة ، كقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) (١). ويعضده ذكر النشور فى مقابلته بقوله : (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) أي : ذا نشور ، أي : انبعاث من النوم ، كنشور الميت ، أو : ينشر فيه الخلق للمعاش.
وهذه الآية ، مع دلالتها على قدرته تعالى ، فيها إظهار لنعمته تعالى ؛ لأن فى الاحتجاب بستر الليل فوائد دينية ودنيوية ، وفى النوم واليقظة ـ المشبهين بالموت والبعث ـ عبرة للمعتبرين. قال لقمان لابنه : كما تنام فتوقظ ، كذلك تموت فتنشر.
(وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) ، وعن المكي بالإفراد ، (نَشْراً) (٢) : جمع نشور ، أي : أرسلها للسحاب حتى تسوقها إلى حيث أراد تعالى أن تمطر ، (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أي : أرسلها قدام المطر ، لأنه ريح ، ثم سحاب ، ثم مطر. وقرأ عاصم بالباء ، أي : مبشرات بالمطر. (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) أي : مطهرا بالغا فى التطهير ، كقوله : (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (٣) وهو اسم لما يتطهر به ، كالوضوء والوقود ، لما يتوضأ به ويوقد به. وقيل : طهور فى نفسه ، مبالغة فى الطاهرية ، فالطهور فى العربية يكون صفة ، كما تقول : ماء طهور ، واسما ، كما فى قوله صلىاللهعليهوسلم : «التراب طهور ، والمؤمن طهور» ، وقد يكون مصدرا بمعنى الطهارة ، كقولك : تطهرت طهورا حسنا ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا صلاة إلا بطهور» (٤). ووصفه تعالى الماء بذلك ؛ ليكون أبلغ فى النعمة ، فإن الماء الطهور أنفع وأهنأ مما خالطه ما يزيل طهوريته ، أي : أنزلناه كذلك.
(لِنُحْيِيَ بِهِ) أي : بالمطر الطهور (بَلْدَةً مَيْتاً) بالجدب والقحط ، فحييت بالنبات والعشب. والتذكير ؛ لأن البلدة بمعنى البلد ، والمراد به : القطعة من الأرض عامرة أو غامرة. (وَنُسْقِيَهُ) أي : ذلك الماء الطهور ، عند
__________________
(١) من الآية ٦٠ من سورة الأنعام.
(٢) قرأ عاصم : «بشرا» بالباء ، وقرأ الباقون «بالنون» .. انظر الإتحاف (٢ / ٣٠٩).
(٣) من الآية ١١ من سورة الأنفال.
(٤) أخرجه بطوله مسلم فى (الطهارة ، باب وجوب الطهارة للصلاة ، ١ / ٢٠٤ ، ح ٢٢٤) من حديث ابن عمر. رضي الله عنه : (لا تقبل صلاة بغير طهور.) الحديث.