وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢))
قلت : اسم الجمع واسم الجنس يذكر ويؤنث ، كقوم ، ورهط ، وشجر.
يقول الحق جل جلاله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ) ، وهو نوح بن لامك. قيل : ولد فى زمن آدم عليهالسلام ، قاله النسفي ، وإنما قال : (الْمُرْسَلِينَ) ، والمراد : نوح فقط ؛ لأن من كذّب واحدا من الرسل فقد كذب الجميع ، لاتفاقهم فى الدعوة إلى الإيمان ؛ لأن كل رسول يدعو الناس إلى الإيمان بجميع الرسل. وقد يراد بالجمع : الواحد ؛ كقولك : فلان يركب الخيل ، ويلبس البرود ، وما له إلا فرس واحد وبرد واحد.
(إِذْ قالَ لَهُمْ) : ظرف للتكذيب ، أي : كذبوه وقت قوله لهم (أَخُوهُمْ نُوحٌ) ؛ نسبا ، لا دينا ، وقيل : أخوة المجانسة ، كما فى آية : (بِلِسانِ قَوْمِهِ) (١) : (أَلا تَتَّقُونَ) خالق الأنام ، فتتركوا عبادة الأصنام ، (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) ، كان مشهورا بالأمانة عندهم ، كحال نبينا صلىاللهعليهوسلم فى قريش ، ما كانوا يسمونه إلا محمدا الأمين. (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) فيما آمركم به وأدعوكم إليه من الإيمان.
(وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي : على ما أنا متصد له من الدعاء والنصح ، (مِنْ أَجْرٍ) أصلا (إِنْ أَجْرِيَ) فيما أتولاه (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) ؛ لا أطمع فى غيره ، (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) ، الفاء ؛ لترتيب ما بعدها على ما قبلها ؛ من تنزيهه عليهالسلام عن الطمع ، كما أن نظيرتها السابقة ؛ لترتيب ما بعدها على أمانته. والتكرير ؛ للتأكيد ، والتنبيه على أن كلا منهما مستقل فى إيجاب التقوى والطاعة ، فكيف إذا اجتمعا؟ كأنه قال : إذا عرفتم رسالتى وأمانتى فاتقوا الله وأطيعون.
(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ) والحالة أنه قد تبعك (الْأَرْذَلُونَ) أي : الأرذلون جاها ومالا ، والرذالة : الدناءة والخسة ، وإنما استرذلوهم ؛ لاتضاع نسبهم ، وقلة نصيبهم من الدنيا ، وقيل : كانوا من أهل الصناعة الدنيئة ، قيل : كانوا حاكة وأساكفة ـ جمع إسكاف ـ وهو الخفّاف ـ أي : الخراز ، وقيل : النجار. والصناعة لا تزرى بالديانة ، فالغنى غنى القلوب ، والنسب نسب التقوى ، والعز عز العلم بالله لا غير ، ومرادهم بذلك : أنه لا مزية لك فى اتباعهم ؛ إذ
__________________
(١) الآية ٤ من سورة إبراهيم.