عرفنى ، وكان يرانى قبل الحجاب ، فاسترجع ، فاستيقظت باسترجاعه ، فخمّرت وجهى بجلبابي ، والله ما تكلمنا بكلمة ، ولا سمعت منه كلمة ، غير استرجاعه ، فأناخ راحلته ، فوطئ على يدها ، فقمت إليها فركبتها ، وانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش موغرين فى نحر الظهيرة ، وهم نزول ، وافتقدنى الناس حين نزلوا ، وماج الناس فى ذكرى ، فبينما الناس كذلك إذ هجمت عليهم ، فخاض الناس فى حديثى ، فهلك من هلك. والحديث بطوله مذكور فى الصحيحين (١) والسّير.
وقوله تعالى : (عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) أي : جماعة من جلدتكم ، والعصبة : من العشرة إلى الأربعين ، وكذا العصابة ، يقال : اعصوصبوا : اجتمعوا. وهم عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين ، وزيد بن رفاعة ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ، ومن ساعدهم. واختلف فى حسان بن ثابت ، فمن قال : كان منهم ، أنشد البيت المروي فى شأنهم ممن جلدوا الحد :
لقد ذاق حسّان الذي هو أهله |
|
وحمنة ؛ إذا قالا هجيرا ، ومسطح |
ومن برّأ حسان من الإفك قال : إنما الرواية فى البيت : (لقد ذاق عبد الله ما كان أهله) ، والمشهور أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يحد عبد الله بن أبيّ ، حين حدّ الرامين لعائشة ، تأليفا له ؛ قال البرماوى فى حاشيته على البخاري فى فوائد حديث الإفك : وفيه ترك الحد لما يخشى من تفريق الكلمة ، كما ترك عليه الصلاة والسلام حدّ ابن سلول. ه. وقد روى ابن عبد البر أن عائشة برأت حسان من الفرية ، وقد أنكر حسان أن يكون قال فيها شيئا فى أبياته ، التي من جملتها :
حصان رزان ماتزن بريبة |
|
وتصبح غرثي من لحوم الغوافل (٢) |
إلى أن قال :
فإن كان ما بلّغت عنّى قلته |
|
فلا رفعت سوطي إلىّ أناملي |
__________________
(١) أخرجه البخاري فى مواضع كثيرة ، منها (المغازي ، باب حديث الإفك ح ٤١٤١) ، و (التفسير ـ سورة النور ، باب (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) ح ٤٧٥٠) ، وأخرجه مسلم فى (التوبة ، باب فى حديث الإفك ، ٤ / ٢١٢٩ ـ ٢١٣٦ ، ح ٧٧٠).
(٢) الحصان : العفيفة ، والرزان : الرزينة الثابتة التي لا يستخفها الطيش. وتزن : ترمى وتتهم. وغرثى : جائعة ، والمعنى : لا تغتاب النساء. والغوافل : جمع غافلة ، وهى التي غفلت عن الشر. وانظر : ديوان حسان (١٩٠ ـ ١٩١) والبحر المحيط (٦ / ٤٠١).