وما قيل من أن الكتاب هو اللوح المحفوظ ، وإبانته أنه خطّ فيه ما هو كائن ، لا يساعده إضافة الآيات إليه. والوصف بالهداية والبشارة فى قوله : (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : حال كون تلك الآيات هادية ومبشرة للمؤمنين ، فهما منصوبان على الحال ، من الآيات ، على أنهما مصدران بمعنى الفاعل ؛ للمبالغة ، كأنهما نفس الهداية والبشارة ، والعامل فيها ما فى «تلك» من معنى الإشارة ، أو : خبر ، أي : هى هدى وبشرى للمؤمنين خاصة ؛ إذ لا هداية لغيرهم بها.
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ؛ يديمون على إقامة فرائضها وسننها ، ويحافظون على خشوعها وإتقانها ، (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي : يؤدون زكاة أموالهم ، (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) حق الإيقان. إما من جملة الموصول ، وإما استئناف ، كأنه قيل : هؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة حق الإيقان ، لا من عداهم ؛ لأن من تحمل مشاق العبادات ، إنما يكون لخوف العقاب ، ورجاء الثواب ، أولا ، ثم عبودية آخرا ، لمن كمل إخلاصه.
ثم ذكر ضدهم ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي : لا يصدّقون بها ، وبما فيها من الثواب والعقاب ، (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) الخبيثة ، حيث جعلناها مشتهية للطبع ، محبوبة للنفس ، حتى رأوها حسنة ، كقوله : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) (١) ، (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) ؛ يترددون فى ضلالتهم. كما يكون حال الضال عن الطريق. (أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) فى الدنيا بالقتل والأسر يوم بدر ، (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) ؛ أشدّ الناس خسرانا ؛ لأنهم لو آمنوا لكانوا من أكرم الناس ، شهداء على جميع الأمم يوم القيامة ، فخسروا ذلك مع خسران ثواب الله والنظر إليه. عائذا بالله من جميع ذلك.
الإشارة : طس : طهر سرك أيها الإنسان ، لتكون من أهل العيان ، طهر سرك من الأغيار لتشاهد سر الأسرار ، وحينئذ تذوق أسرار القرآن والكتاب المبين ، وتصير هداية وبشارة للمؤمنين. فإنّ من قرأ القرآن وعمل به فقد أدرج النبوة بين كتفيه ، كما فى الخبر (٢). ثم ذكر من امتلأ قلبه بالأكدار فقال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ..) إلخ ، قال القشيري : أغشيناهم فهم لا يبصرون ، وعمّينا عليهم المسالك ، فهم عن الطريقة المثلى يصدون. أولئك الذين فى ضلالتهم يعمهون ، وفى حيرتهم يترددون. (أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) هو أن يجد الألم ولا يجد شهود المبتلى (٣) ، ولو وجدوه تحمل عنهم ثقله ، بخلاف المؤمنين. ه.
__________________
(١) من الآية ٨ من سورة فاطر.
(٢) جاء ذلك فيما أخرجه الحاكم ، وصححه ، ووافقه الذهبي (١ / ٥٥٢) عن عبد الله بن عمرو ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه ، غير أنه لا يوحى إليه ..» الحديث.
(٣) فى القشيري : يجد الآلام ولا يجد التسلّى.